لن نقول بأن مجلس النواب «ضعيف»، حتى لا يزعل علينا بعض النواب الذين يظنون أن توصيف أداء المجلس يعني توصيف أدائهم على مستوى شخصي، بل سنقول بأن أداء المجلس «لم يصل لطموح المواطن بعد» وهذه حقيقة. هنا نقول «المواطن» لأن أساس إنشاء مجلس النواب جاء ليكون متنفساً لإيصال «صوته» من خلال النائب الذي يمثله. هنا نكرر ونقول -وضعوا تحتها ألف خط أحمر- «صوت المواطن» وليس صوت النائب وما يفكر فيه ويخطط له «وحده»، إذ سبب وجود النائب على كرسيه هم الناس.في الجلسة الأولى للمجلس رأينا الحماس في كلام النائب أحمد قراطة، ونتفق معه بالتالي بأن على مجلس النواب أن «يكشر» عن أنيابه في شأن محاربة الفساد وتحقيق مصلحة المواطن في المقام الأول، وعليه فإنه حينما قال بأنه يجب أن ينجح مجلس النواب في «تطيير» بعض الوزراء والمسؤولين، فإن قول الرجل يمكن الدلالة عليه عبر ثمانية تقارير «دسمة» أصدرها ديوان الرقابة المالية، مع التنبه بضرورة أن يكون من يراد «تطييره» يستحق أن «يطير» فعلاً، إذ هناك في المقابل من يعمل وبإخلاص وحرص شديدين من الوزراء والمسؤولين وهمهم تصحيح الأخطاء وتلافي تكرارها، وهنا الحق يقال.«الضعف» بأنك حينما ترى الخطأ وتعجز عن تصحيحه، و»الضعف» في درجة أكبر أن تتوفر لك كل الدلائل والأرقام والشواهد على الأخطاء ثم «تغض» النظر ولا تتحرك لاتخاذ إجراء يطال أقلها واحداً من جملة مسؤولين عن الفساد الإداري والمالي وهدر المال العام.يا جماعة أما آن للجميع أن ينتبه بأن تقرير ديوان الرقابة المالية هو أخطر من أي تقرير آخر، كونه يؤكد استمرار حالات الفساد ويوثقها، وتضخمه سنوياً وزيادة عدد صفحاته يؤكد عدم وجود رادع وعقاب وحساب رغم إن القوانين المعنية بمحاسبة المفسدين موجودة، ورغم إن شعاراتنا «الأزلية» التي تردد في كل اتجاه تتحدث عن محاربة الفساد. فأين الفساد الذي تمت محاربته ومحاسبة المتسببين فيه؟!إن كان بعض المسؤولين أزعجتهم كلمة «تطيير» الوزراء، فإن الحق يقال هنا، ولا مجال للزعل إذ نحن نتحدث عن دولة ومال عام ومصلحة وطنية وكلها ليست «أملاكاً خاصة» لأحد، لا لهذا الوزير ولا لذاك الخفير، نقول بأنه لو جئنا للحق، ولو تعامل البرلمان بصرامة وشراسة مع تقارير ديوان الرقابة المالية لوجدنا أن عدد «الطائرين» من مناصبهم نتيجة سحب الثقة سيصل لرقم قياسي، وهذا ليس عائداً لصراعات شخصية أو تحاملات وتصفية حسابات، بل نتيجة منطقية لأخطاء جسيمة وتجاوزات من «الظلم» أن تغتفر.سنشد على يد رئيس المجلس الرجل «الحكيم» الفاضل خليفة الظهراني لقوله بأن المجلس لا يسعى إلى «تطيير» الوزراء كهدف، بل هدفه التصحيح والإصلاح مع ضرورة تعاون الوزراء المقصرين، أي أن الاستهداف لا يجب أن يكون شخصياً، بل عملياً. وعليه في رؤيتنا الشخصية بأن «الوزراء المقصرين» إن استمروا في عدم التعاون مع المجلس، والأهم قبل ذلك إن لم يصلحوا من وضع الأخطاء والملاحظات فإنهم يثبتون بأن «طيرانهم» من كراسيهم أفضل و»أرحم» للبلد من بقائهم فيها، باعتبار أنهم مسؤولون غير قادرين على «مواءمة» عملية الإصلاح، بل «تطييرهم» واجب من واجبات النواب.المصيبة أن النواب لن يتمكنوا أصلاً من «تطيير» أحد، وإلا لطار الكثيرون منذ زمن، والمشكلة هنا بأنهم لم يتفقوا يوماً بإجماع على مسألة واحدة ودعموها بقوة بحيث لم تجد الدولة في مقابل ذلك حلاً آخر غير التعاون معهم. ولو كان ما نقوله غير صحيح لكان وضع الناس مختلفاً اليوم، لكانت مشكلة الإسكان حُلت، وزيادة الرواتب «زيادة مؤثرة» تمت، وحتى القروض أسقطت خاصة في تلك الفترة التي شهدت ارتفاعاً جنونياً لسعر برميل النفط، ولتغير شكل السلطة التنفيذية بشكل مستمر.النائب عبدالله الدوسري وضع يده على مفصل مهم هو لسان حال كثير من النواب منذ زمن، ونعني به تعاون السلطة التنفيذية ممثلة ببعض المسؤولين. الرجل أشار لعراقيل وصعوبات وتعطيل وتجاهل أسئلة ومماطلة من قبل بعض الوزراء والمسؤولين، وهو ما يخالف أصلاً التوجيهات الدائمة الصادرة من سمو رئيس الوزراء حفظه الله للمسؤولين بالتعاون الدائم والوثيق مع السلطة التشريعية. الواقع يفرض على النواب عدم توقع مرور الأمور بسلاسة وسهولة ما يفرض عليهم «السجال» مع المسؤولين بالأخص غير المتعاونين، لكن وفق أعراف العمل البرلماني، ووفق ما تقتضيه المصلحة العامة وليست الشخصية، خاصة وأن المسألة الأخيرة لها نصيب من الحراك الدائر تحت القبة البرلمانية أو خارجها، وهو حراك غير مبني أصلاً على أساس تحقيق المصلحة العامة للناس، بقدر ما أساسه تصفية حسابات و»تكسير رأس الآخر»، سواءً بين نائب ووزير، أو العكس. النائب عبدالله الدوسري قال ما معناه بأن الوزراء الذين يرون في أنفسهم أي قصور «أن يعزلوا أنفسهم» وإلا سيكونون تحت المساءلة البرلمانية. وهنا نذكر بأن من أساطير العرب في العصر الحديث قيام الوزير بعزل نفسه! «ليش» و»شحاده» يتخلى عن «أبهة» المنصب وبرستيجه ومزاياه من أجل تقصير هنا أو أخطاء هناك؟! بل لماذا يقلل وها هو تقرير ديوان الرقابة الجديد يستعد للصدور والتقارير السابقة حتى الآن لم يتخذ بشأنها أي إجراء يذكر؟! والله «غلطان» الوزير الذي «سيعزل» نفسه!الكرة دائماً في ملعب النواب، وتحديهم الأكبر محاربة الفساد ومحاسبة المخطئين، وإن جاءت المسألة على «التطيير» فإن الواقع يفرض علينا القول بأننا لسنا نخشى على الوزراء أن «يطيروا» بسبب النواب، بل نخشى على النواب أنفسهم، إذ بالرجوع إلى التجربة البرلمانية طوال عشر سنوات ماضية، فإن بعض الوزراء والمسؤولين هم المؤهلون أصلاً لـ»تطيير» عقول النواب.زبدة القول هنا بأن المواطن يتطلع لهذا الدور بأمل أن يحقق له شيئاً، وإذا كان الحديث منذ البداية عن «التطيير»، فنرجو ألا يطال المواطنين أي شيء من ذلك، يكفي الـ1% من رواتبهم التي «طارت» بفضل وزير العمل السابق والنواب.«محد» طار إلا المواطن، لكن إلى الأسفل!