من أخطر القضايا التي تواجه الواقع الإسلامي اليوم، هي خلق الاختلاف المصطنع حول إحياء ذكرى عاشوراء بين الطوائف الإسلامية، حتى يخيل للبعض أن هنالك أكثر من حسين في واقعنا كمسلمين.في الوقت الذي يبحث فيه عقلاء المسلمين من أبناء الطائفتين الكريمتين عن أهم المشتركات بينهما، يتحرك «القليل» منهم لإثارة الخلافات بصورة واضحة ومقززة، ولعل من أبرز المحاولات لرسم الفروقات المذهبية البغيضة، هي ذكرى عاشوراء مع الأسف الشديد.في هذا الإطار، وكما هو أول شخص يتصدى لهذه المهاترات والمؤامرات، يأتي السيد فضل الله ليقول لنا فيما يتعلق بخصوص الوقائع التاريخية أن الجيل الحاضر لا يتحمل تبعات الجيل السابق، مؤكدا (تركّز القاعدة الإسلاميّة القرآنيّة على أنّ الماضي هو مسؤوليّة الذين عاشوه وصنعوه، سواء في الدّوائر السلبيّة أو الإيجابيّة، وذلك قوله تعالى (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)، فليس المجد التاريخي مجداً لنا بالمعنى الحركيّ للمجد، بل هو مجد الّذين صنعوه، وعلينا في الوقت عينه، أن لا نحمّل الآخرين مسؤوليَّة سلبيَّات التَّاريخ، فيما هو التَّوزيع بين فريقٍ وفريق، يرتبط أحدهما بفئةٍ تاريخيّةٍ تصارعت مع فئةٍ أخرى يرتبط بها الفريق الآخر. وعلى هذا الأساس، لا يتحمّل الشيعة- في الحاضر -مسؤوليّة بعض السلبيّات الّتي عاشت في دائرة الخلاف السنّيّ الشّيعيّ في الماضي، ولا نحمّل السنّة المعاصرين مسؤوليّة ما جرى على الشّيعة سلبياً من قِبَل الذين التزموا المذهب السني في التاريخ، بل إنّ الشّيعة والسنّة اليوم يعيشون عصراً واحداً ومرحلةً واحدة، وهم مسؤولون عن حركتهم فيها، في الوقت الّذي تبقى هناك وجهات نظر في فهم الإسلام وحركيَّته، أو في تقديس هذا أو ذاك، مما يمكن أن يتحاور الجميع فيه من خلال آليّات الحوار).هذه هي الحقيقة، فنحن لا ننفي وجود اختلافات بين المذاهب في بعض تفاصيل عاشوراء وغير عاشوراء، بل لا ننفي وجود هذه الإختلافات بين أبناء المذهب الواحد، لكن المطلوب اليوم، هو أن نجمع نقاط الإتفاق، لنكسر بها نقاط الإختلاف البسيط، ربما في الوسائل، وليس الأهداف والرؤى العامة.في هذا الإطار الوحدوي ومن منطلق فهمنا لعاشوراء الحسين بن علي عليه السلام، يؤكد لنا فضل الله مفاصل هذا الإختلاف قائلا (وفي هذا الإطار، نحبّ أن نشير إلى الأسلوب العقلانيّ الّذي ركّزه القرآن الكريم في إدارة حركة الاختلاف، والّذي يقوم على اللّقاء على النّقاط المشتركة، والحوار في ما اختُلف فيه، لكي تكون عاشوراء حركةً في الوعي، لا حركةً في الإنفعال، لأنَّ الإنسان عندما يفكِّر، فإنَّه يستطيع أن يفهم الواقع والأرض الّتي يقف عليها، والأجواء الّتي تحيط به، والأوضاع السياسيّة الّتي تتحرّك في العالم وتؤثّر فيه. أمّا الانفعال، فإنَّه يجعلك تتحمَّس من دون أن تملك حتّى موقعك أو إرادتك أو موقفك.. نعم، نحن نحتاج إلى الحماس والإنفعال، ونحتاج إلى أن نهتف ونصرخ، ولكن ـ قبل ذلك ـ لابدَّ أن نفهم لماذا نتحمَّس ونصرح ونهتف..).لو ظل المسلمون يقرأون عاشوراء من منطلق الوحدة بين المذاهب، وعبر المشتركات الإسلامية، لاستطاعوا أن يستثمروا ذكرى عاشوراء الحسين في التوجه القوي ضد العدو المشترك، والإلتفاف حول مضامين نهضته الخالدة، وهذا لن يكون إلا بالمواقف الجريئة في نبذ كل خلافاتنا السطحية، سواء في عاشوراء أو في أي يوم آخر.