الاعتراف بالمرض أول خطوات العلاج، ومن ينفي وجود علة في العلاقات الخليجية المصرية هذه الأيام هو كمن يظن الورم في جسده شحم عافية. وللاعتراف بالمرض لا بد من فحص أولي، بمرور يعلو فوق مستوى الخواطر ويخجل عن الوصول لمستوى أبحاث العلاقات الدولية العميقة، فمنذ احتدام الصراع بين الرئاسة الإخوانية والمعارضة ووسائل الإعلام تقذف بين الفينة والأخرى بما يشير لدور الخليجيين فيما يجري في الشارع المصري، ولم يشفع للعواصم الخليجية أنها كانت ملاذاً سياسياً آمناً لقيادات الإخوان الهاربة من ناصر والسادات ومبارك، كما لم يشفع لها أن المال الخليجي كان أهم مصادر تمويل أنشطة الإخوان، بل إن المساعدات الخليجية لحكومة الإخوان البالغة 9 مليارات دولار منحاً وودائع ساعدت في منع الجنيه المصري من الانهيار قد صاحبها شكوك حول كونها لم تأت من باب الأخوة فحسب؛ بل هو للتمويه على أموال خليجية موازية تلقي الحصى على قوات الأمن المركزي في ميدان التحرير، وقد أظهرت لنا المعاينة النظرية أن خط التصادم الإخواني الخليجي قد تم رصفه بالمسببات التالية:- تعتبر الحرية والعدالة والمساواة المعممة والمحجبة والمنقبة التي ينشرها الإخوان بين الشباب الخليجي تهديداً حقيقياً على الأنظمة القائمة، وعلى وحدة النسيج الاجتماعي، والترتيبات السياسية القائمة منذ عقود. فشرف الغاية يحتاج إلى وضوح الرؤية وتسللات الإخوان كانت مريبة بما يكفي للوقوف ضدها.- انتهاء السكوت المرحلي وتغير موقف دول خليجية متسامحة دفعها لإطلاق عنان الخليجيين المناوئين للإخوان، وإذا كانت تصريحات «ضاحي خلفان»عن وجود مؤامرة إخوانية قد شكلت أوضح هجوم خليجي على الجماعة، فإن في الكويت والرياض عشرات من الكتاب وأعضاء البرلمان الذين يردون جينات عدم الاستقرار للإخوان. - أقنعت الاضطرابات السياسية صانع القرار الخليجي أن إنفاق الهبات على مواطنيهم لشراء السلام الاجتماعي منذ بداية الربيع العربي لم يكن كافياً، وكان لابد من تجفيف منابع التأجيج التي تحمل قلادة ريادتها جماعة الإخوان المسلمين.- من ألف باء العلاقات الدولية تصدير إخفاقات السياسة الداخلية للخارج، ومن ألف باء العمل الأمني خلق «العدو المفترض» لأغراض التمرين، وقد قادت خطوط الربيع العربي المحلل الخليجي في وزارة الخارجية وغرفة العمليات لدائرة عدم استقرار تحمل كلمة «الإخوان».- حين غرقت سفينة صدام قفز كثير من فئران البعث السمان وتشبثوا بأطراف مركب خليجي مبحر لبلاده، ومن هناك تحول الملجأ إلى معقل محصن أعادوا فيه تجميع أنفسهم لتصفية حساباتهم، وهو ما يفعله حالياً فلول مبارك؛ حيث مكنتهم أموالهم وخبرتهم من تكييف القرار الخليجي ضد الإخوان فاتحين بذلك الطريق أمام فريق الأسد لتأثيث عرين لهم في الخليج.- تصاعدت حدة الخلافات بين جماعة الإخوان وجماعات السلف المصرية قبل وخلال وبعد الانتخابات الرئاسية، وبما أن الجذور السلفية تعود لشجرة في الخليج، وقد دعمها وصف الشيخ بن باز للإخوان بأنهم من الـ72 فرقة الهالكة، فقد أهل ذلك جماعات السلف ليكونوا في عين الإعلام المصري عصا خليجية في عجلة الإخوان.- بعد مراجعة كثير من الاستثمارات الأجنبية، طعنت سلطة الإخوان في قانونية صفقات ضخمة لمؤسسات خليجية في مجالات عدة بحجة فساد رجال مبارك وشرائها بسعر أقل من سعر السوق، مما فتح الباب أمام معارك ثأر على مستويات عليا في إدارات كلا الطرفين.- كانت كل مبادرة خليجية في المحيط العربي توصم حتى سنوات قريبة بأنها بإيحاءات أمريكية، لكن الأمر تحول مع الإخوان إلى النقيض، فالإخوان كما يرى الخليجيون حالياً عصا غربية لإخضاعهم، فهناك دعم سياسي أمريكي لجعل الأنظمة الخليجية تحت الإحساس بالخطر منهم، فكان لابد من التعبئة الخليجية ضد هذه الترتيبات عبر مهاجمة الإخوان مباشرة لإفشال الجهد الأمريكي.- تخاف دول الخليج من تشكل هلال شيعي سني غير ودود بين الدول والكيانات الدينية في مصر وغزة وتونس وليبيا وحزب الله وسوريا وإيران - أحمدي نجاد وصل أمس القاهرة في أول زيارة من رئيس إيراني لمصر منذ عقود- وعليه لابد للخليجيين من كبح جماح هذا التشكل السريع بمهاجمة مركز ثقله في مصر الإخوان.- سجلت دول الخليج فائضاً قياسياً قدره 350 مليار دولار العام الماضي، وبذلك يصبحون الهدف الأثمن للإخوان، ولكونهم نظاماً شمولياً عابراً للحدود فيسدخلون سباق النفوذ على مقدرات الخليج كما تفعل واشنطن وطهران وباريس ولندن.- الجفوة الحالية هي خير وسائل الخليجيين للفكاك من عبء المساعدات المالية لحكومة مرسي بناء على ما يريده الإخوان، ويصبح الأمر بيد العواصم الخليجية بناء على ما تقتضيه حاجتهم في ظل صراع النفوذ الخليجي الإيراني في القاهرة.يمكن أن يُصاب المرء لشهور أو أعوام عدة دون أن تظهر عليه أعراض مرضية، وعندما تظهر يكون غالباً في مرحلة متقدمة من المرض، وفيما سبق نقاط تجزم بأن العلاقات الخليجية المصرية تمر بحالة مرضية تتطلب الاعتراف بها أولاً لعلاجها. فقد قدر لدول الخليج أن تبدأ علاقتها مع كل نظام مصري جديد بمنتهى الارتباك، ابتداء من الصدام مع محمد علي وقوات ابنه طوسون باشا 1811م، مروراً بمناوئة الناصرية التي وصلت السلطة 1952م. ثم دخولنا دائرة جبهة الصمود والتصدي ضد السادات 1978م بعد كامب دافيد. ولا شك أن للإخوان مواقف يصعب الدفاع عنها، لكننا نجتاز خط الجفوة متجهين نحو قطيعة مع مصر. وإن لم تسارع الجهات المعنيّة بتقدير التطوّرات المحتملة لوقفها فسنتجاوز جهلاً مرحلة الاعتراف بالمرض لنجد أنفسنا في مرحلة يصعب علاجها.
Opinion
هل للخليج فلول في ميدان التحرير؟
06 فبراير 2013