نحن في حل من المزايدات على كل قطرة دم تسفك على شوارع البحرين، والشاب حسين الجزيري، رحمه الله، كان من المفترض أن يتواجد بين زملائه في مدرسته، يوم موته، لا أن يدفعه «الآمنون أبناؤهم في دول أوروبا» إلى الشارع للاحتجاج ومواجهة رجال الأمن مع مجموعة من راجمي المولوتوف، وقاذفي الأسياخ النارية، لقد شاهدنا عملية متاجرة بموت حسين الجزيري يندى لها جبين البشرية، كان موته مهرجاناً من الفرح لا صدمة من الفواجع، تم ترويج صورة حسين وهو يحمل طلقة مسدس، وجرى ترويج محادثة إلكترونية، غير موثوق فيها، وهو يبوح لأحد أصحابه أن حلماً زاره في المنام وأخبره باستشهاده، وصممت صورة لوجهه يتوسط قمر 14 «نسبة إلى 14 فبراير»، كل ذلك ضمن تكتيك إيهامي وإيحائي لأتباع شارع فبراير أن اقذفوا أبناءكم إلى الشوارع للاحتجاج والاشتباك، واحتفوا بهم في قوائم الشهداء التي هي رصيد المعارضة التأزيمية في تحريك الفوضى والعنف.ولن نجادل في أن قوات الأمن الخاصة أو قوات مكافحة الشغب معدة أساساً لمواجهة المظاهرات العنيفة والالتحام مع جموع المحتجين، ولن نجادل في أنها مجهزة بما يفترض أنه يفوق قدرة المتظاهرين على التفوق عليها، ولن نجادل في أن أساليب مكافحة الشغب متطورة في دول الشرق والغرب، بما يكفل التقليل من وقوع الإصابات بين صفوف رجال الأمن والمحتجين، وبما يمنع حدوث حالات الوفاة أثناء عمليات الاشتباك أو فض التجمهرات، وهذا ما نطالب به وزارة الداخلية أن ترفع من كفاءة رجال الأمن، وأن تحسن معداتهم وأدائهم إلى الحد الذي يحفظ سلامتهم وسلامة المحتجين، ولكن، أثبت واقع الأحداث أن رجال أمن البحرين يواجهون عمليات منظمة، ومخطط لها بإعداد مسبق لقتلهم، وأن الإصابات التي يتعرضون لها وأسباب الوفاة التي تودي بحياتهم ليست ناتجة عن الاشتباك المباشر، أو شدة الالتحام مع المحتجين، بل هي أساليب قنص في الأساس، تستهدف حرقهم وتشويههم، أو إصابتهم بعاهات دائمة، وفي أحسن الحالات تستهدف قتلهم مباشرة !!ما حدث يوم 14 فبراير الماضي من إجبار المواطنين على الإضراب الإلزامي الذي فرضته عصابات 14 فبراير بإغلاق الطرقات بالإطارات المحترقة، وإقفال أبواب المدارس ورميها بالمولوتوف، وإرهاب الطلبة والمدرسين، وإغلاق قرى المواطنين الشيعة، كي لا يخرجوا إلى أعمالهم، ليس إلا فقرات في برنامج إرهابي يسخر من أهل البحرين، برفع لافتات السلمية المزعومة لترويجها في الخارج لا أكثر، وليست الطريقة التي قضى فيها رجل الأمن الشهيد محمد عاصف، إلا فقرة مخيفة من هذا البرنامج الإرهابي، فتقرير وزارة الداخلية يشير إلى أن رجل الأمن قتل بفعل «مقذوف حارق» اخترق كبده أدى إلى وفاته، وأنا أتساءل هنا، وأوجه أسئلتي للمشتغلين في مجال حقوق الإنسان: هل رجال الأمن معدون لمواجهة اشتباكات قاتلة تستهدفهم بالذات؟ هل رجال الأمن مجهزون لمواجهة الأسياخ النارية بكافة أحجامها وبكافة وسائل إطلاقها القوية السريعة مثل طفايات الحريق؟ هل من مهام رجال الأمن استقبال الزيت الذي يسكب عليهم من أسطح المنازل لتفاجئهم زجاجات المولوتوف ليحترقوا بالكامل؟أدرك تماماً أن الدفاع عن الجهاز الأمني يعد دفاعاً عن الدولة في أعراف حقوق الإنسان، وأدرك تماماً أن مهام الاشتغال في حقوق الإنسان هي الدفاع عن حقوق المواطنين المنتهكة من قبل الحكومات، لكن الأسلوب الذي يخرج به المخربون لسد الشوارع وتخريب منشآت الدولة، والطريقة التي يستدرج بها رجال الأمن إلى داخل المناطق والقرى وأساليب مجابهتهم بوابل المولوتوف والأسياخ والصور القديمة والجديدة التي تظهر رجال الشرطة العزل، وهم يفرون من المحتجين المدججين بالقضبان الحديدية والزجاجات الحارقة، أليس ذلك دليل وجود ميليشيا إرهاب منظم في البحرين، ألا تسقط أمامه مزاعم السلمية؟!إن الوضع الأمني في البحرين بات مشكلة حقيقية تستوجب من كافة فئات المجتمع ومن الحكومة والجمعيات السياسية وضع حلول جدية لها، فالمشهد المؤلم الذي اختتم به يوم 14 فبراير الذي خلق حالة «تعادل في القتلى» بسقوط قتيل من المحتجين، وقتيل من رجال الأمن، يوحي بأن شوارع البحرين تشهد حرباً وليس احتجاجات مطلبية سلمية، والحوار المنعقد في «محمية العرين» إن لم يخرج بتوصيات تضمن التخفيف من الحالة الإرهابية التي يواجهها المواطن البسيط البعيد عن كل ما يحدث من مهاترات سياسية، لن يفضي إلى نتيجة إن لم تحل المشكلة الأمنية أولاً وإن لم تحفظ أرواح أهل البحرين أولاً.