مازالت الأغلبية التي كانت صامتة تهزم كل التوقعات، بما فيها توقعات من داخلها كانت انهزامية الروح وفاقدة للثقة بنفسها، إلا أن تلك الجموع التي زحفت لعراد يوم 21 فبراير أثبتت أنها حية ترزق، وأن شارع الفاتح بالإمكان أن يعول عليه، بل أثبت أنه قبة الميزان ولن تتحقق أي معادلة سياسية إلا من خلاله.لن أتكلم اليوم من منطلق عاطفي فذلك ليس أوانه، إذ أن الكلمات والمشاعر والأحاسيس التي عبرتم عنها ذلك اليوم كفت ووفت.إنما كلام العقل والمنطق الذي تؤكده الشواهد الحية والأرقام أن تيار الفاتح من بعد فبراير 2013، أثبت أنه رقم صعب والتحشيد له ممكن وحضوره - إن استدعت الحاجة له - لم يعد صعباً، هذه الحقيقة نرد بها على إثنين فقط، الأول على من هم في داخله وألهتهم الصغائر، والثاني هو المجتمع الدولي قوى عظمى ومنظمات وإعلام، ذلك الذي تعامل مع البحرين طوال أيام الأزمة على أنها دولة «غالبيتها شيعية تحكمها أقلية سنية»، وأن الشعب البحريني تمثله الوفاق، وبناء على تلك المعادلة حدد مواقفه، الآن عليه أن يعيد حساباته، وقد بدأ إعادتها منذ 21 فبراير 2011، إلا أن فبراير 2013 سيؤكد على تلك القراءة.للفاتح اليوم جماهير أصبح من الممكن تحشيدها وتحريكها، وللفاتح ممثلون في الحوار، وله امتداد في عمقه الخليجي والعربي.أما السيد «اسحقوهم» الذي قسم البحرين إلى معسكرين «يزيدي» و»حسيني» فلا يهمنا رأيه، فالأخ وصف تجمع الفاتح من كهفه في الدراز أن من حضر ذلك اليوم هو مجرد «خليط ومستأجر» في خطبته الأخيرة، ما ألومك، فالصور ـ إن رأيتها- توجع!! وهي صادمة لأحلامك وأوهامك، وأكثر من هذه الفقرة الصغيرة لا يستحق الأمر أن نقف عنده.من نريدهم أن يقتنعوا ويثقوا بقوتهم وبكثرتهم وبغالبيتهم هم قيادات جمعيات ائتلاف الفاتح، الذين خسروا مقاعدهم في 2010 نظراً لقصر النظر وأيضاً خسروا موقعهم في عراد بعد أن أعادوا القراءة الخاطئة مرة أخرى، ولم يعوا بعد أين يجب أن يوجهوا قصفهم العشوائي.تيار الفاتح تجاوز قيادات تنظيماته السياسية التقليدية منذ 2010، وإلى هذه اللحظة تحسبها حسبة خاطئة ولم تستوعب الدرس، إلى الآن تحسب كم لي وكم لك من أتباع وأين سأقف ومن سيلقي الكلمة؟ وإلى غيرها من الصغائر، وتيار الفاتح الذي لم يعهد العمل المؤسسي أصلاً ولا يتحرك بفتاوى دينية أصلاً، لم يصغ لتلك الحسبة وجاء بآلاف مؤلفة لم تحركه فتوى فقيه ولم يمنعه تثبيط العزائم الذي مارسه البعض منكم، إنما حركته غريزته الفطرية بحب وطنه وبشعوره بالخطر.بل إن كثيراً ممن امتنع عن الحضور امتنع لأنه رافض لجلوس جمعياته على طاولة الحوار مع الجمعيات الست، ولم يمتنع لأنه متفق مع طرح الجمعيات الست، بمعنى أنه كان متشدداً أكثر من تشدد الذي حضروا، وامتناعه كان تسجيلاً لهذا الموقف.ورغم هذه الأخطاء المتكرر في القراءة لبعض قيادات الجمعيات الائتلافية، فإن تيار الفاتح وضع نفسه على خارطة القرار السياسي متجاوزاً كل قياداته، ومن راهن على غيابه فقد خسر الرهان.اليوم، على قيادات جمعيات ائتلاف الفاتح أن تلحق بشارعها بعد أن تجاوزها، وعليهم الآن إثبات جدارتهم واستحقاقهم لمواقعهم واللحاق بما يمكن اللحاق به، ولم يفت الأوان بعد، فأوراق القوة أكثر تلك التي أصبحت في أيديهم الآن، فلا تهنوا ولا تحزنوا، أعيدوا ترتيب أوراقكم وانزلوا للشارع مرة أخرى بحضور إعلامي وعبر وسائل التواصل الاجتماعي وبحضور قوي في الحوار، فأنتم تستندون إلى شعب واثق بقوته وعزمه وإصراره.البحرين اليوم أمام مفترق طرق، إيران نزلت بكامل ثقلها من خلال مليشياتها، ومن خلال عيسى قاسم، فما عاد في الأمر مواربة، ما عاد هناك وقت لترف التقية والدبلوماسية الناعمة، وما التصعيد النوعي من تفجيرات و»مولوتوف» إلا أداة لإيران ووسائلها في الشارع، والجمعيات الست في الحوار أمام امتحان أصعب، إما أن تكون صاحبة قرارها وإما أن ترتهن للقرار الإيراني الذي يقودها للانسحاب، عيسى قاسم وعلي سلمان يصران على الانسحاب بأمر إيراني وهناك بعض القيادات الوفاقية تقرأ المشهد قراءة صحيحة لكنها تخشى مواجهة عيسى قاسم.تصعيد العنف في الشارع ورفع السقف في الحوار بأمر من عيسى قاسم الذي يقود الجمعيات الست الآن بهدف إفشال الحوار، فالصيغة الدستورية التي تقترحها الجمعيات الست مفصلة على مقاسها بالكامل لتعزيز مواقع جماعة الولي الفقيه، خاصة فيما يتعلق بترسيم الدوائر وما يسمى بالحكومة المنتخبة، حتى الجمعيات الخمس المتحالفة معها ستخرج من «المولد بلا حمص» وفق تلك الصيغة، والوفاق تراهن على «ذكاء» قيادات الجمعيات الخمس التي تتبعها عمياني، أما نحن فلا ننخدع بمسميات ومصطلحات «حكومة منتخبة ومجلس كامل الصلاحيات واستفتاء»، فعيسى قاسم يرفع السقف ويصر على هذه الصيغة لأنها وحدها من تعيد رسم توزيع القرار في يده مرة أخرى، فإن لم تحرك قيادات الوفاق البحرينية القرار فإن الخسارة ستكون فادحة لشارعهم. إيران تتحرك في الشارع من خلال المليشيات الإرهابية التي بدأت تصطدم حتى مع الشيعة الذين يرون إلى أين يقودهم هذا التهور، وقيادات الوفاق تحاول المماطلة في الحوار الآن من أجل حسم موقفها من خلال الحوار، فإما أن تقود الجمعيات الست الحوار بقرار منعزل عن عيسى قاسم، وإما تقاد من قبل ممثل خامنئي بنفسه، إلى هذه اللحظة لا تملك أي من الجمعيات الست قرارها إلى الآن، رغم أن بها مجموعات تحاول المواءمة، وتحاول التوفيق بين وجهتي النظر، وتحاول إقناع عيسى قاسم أن هناك معطيات واقعية لا يجب أن يتجاوزوها، وأن الخسائر التي دفعت إلى الآن نتيجة التعنت أكثر من أن يتحملها شارعهم، لكن القرار ليس في يد من تحاولون إقناعه!.لذلك يخوض تيار الفاتح الآن معركة دولية أكثر منها محلية، إيران بثقلها دخلت «موقعة الحوار» تدفع فريقها للانسحاب وجمعيات الفاتح الائتلافية وبعض عقلاء الوفاق بإمكانهم أن يقودوا المشهد السياسي فهل تنجح؟.. نكمل في الغد.