اعتدت منذ تفتحت أمامي الأبواب في عالم الصحافة، أن ألتقي صديقي الفنان خالد الشيخ، نتواعد دوماً في البحرين، هو يفضل اللقاء بعد درس «مشي» اعتاده يومياً مع أصدقاء مقربين، يأخذ قسطاً من الراحة الإجبارية في «ستاربكس» ثم نمضي بالحديث.حين اللقاء نتحدث في أمور كثيرة، نفتح الجروح ونعيد تضميدها بقليل من الملح، ثم نعود لنفتح جروحاً أخرى ونعاود رش الملح عليها علنا عالجناها أو نأمل أن يكون الملح شيئاً من العلاج الشافي للجروح وإن كانت قديمة مزمنة ومعدية ولم تعد تميز بين الملح والسكر، ففيها من الألم ما يكفي لهد الجبال وتنشيف البحار لكننا نأمل ونحلم.في بيروت كنت وخالد في رحلة مشتركة هو من رشحني كصحافي من البحرين أشاركه في حلقة «مع حبي» من تقديم الزميلة الإعلامية جومانا أبو عيد، وكانت المناسبة إصداره آخر جمالياته الغنائية بتوقيع «روتانا» عام 2005 وهو «اسمي وميلادي» وهي قصيدة للشاعر فايق عبدالجليل، وجاءت لتكمل جماليات هذا الألبوم قصيدة «يارا والشعرات البيض» للشاعر الراحل غازي القصيبي، ومن أغاني الألبوم التي نفتقد أمثالها اليوم بين إصدارات مطربي «الخنبكة» و«المصخرة» كانت الرائعة «قهوتي باردة» لنوري الجراح وكانت الأكثر سخونة في عالم التكنيك في اللحن والأداء والاستماع والإخراج.أعتقد أن هذه الحلقة مازالت تعيش في ذاكرتي وذاكرة خالد ومحبية ممن تابعوه يدلي بكل جرأة بآراء يجهلها الكثيرين من أهل الفن.خسرت «روتانا» الكثير ليس بفك ارتباطها مع خالد الشيخ وليس لأنه صديق، ولكنه كان «معلماً» تحتاجه هكذا بيوت ليجملها ويحفظ لها ثقافة يفتقدها جملة من طلابها، ممن تعتبرهم فنانين وأهل طرب وهم رغم أعمارهم المتقدمة وخبراتهم الطويلة «يكسرون الخاطر» في إقناع المتذوق العربي، لكني أتمنى أن يرتقي أداؤهم واختياراتهم لـ«تركة» خالد، وأن ينبشوها ويجيدوا اقتسامها والبعد عن تشويه ذاكرته التي دائماً ما تسبق زمنه.الحوار مع خالد الشيخ لابد له أن يذر الملح على الجرح، ولا بد لك أن تتذكر «جروح قلبي وتر وينك ياعازف عود»، لكني دائماً ما كنت أردد «وينك ياخالد عود»التي كتبها الصديق الجميل علي الشرقاوي، نعم فإن تفتقد فناناً بحجم ولد الشيخ ليس بالكافي أن يكون صوتاً ولكنه إبداع متحرك ودائماً ما يتحدى عصره ويبدأ من خالد الشيخ الذي دائماً ما يود هزيمة خالد لخالد!.أنا دائماً عندما أبحث عمن ينتشلني من عذابي لعذابي، أبحث عن أعمال خالد وأبدأ أشوهها بدندنتها بصوتي السكين علني أستطيع أن أكملها بصوت خالد، وأبدأ في الصمت وأستمتع بأداء ينبش الذاكرة وكأنه لا يحمل ريشة، وتنقل بها على أوتار عوده لكنه يحمل السكين التي تقطع الجروح وتبحث عن علاجها بطريقة ولد الشيخ. عندما أقرأ عن مهرجان في البحرين لثقافة الأغنية أو ربيعها دائماً ما ألعن هذه البرامج التي لا يكون خالد في جدولها، كيف لها أن تكون «ربيعاً» دون زهور الشيخ، وكيف لها أن تكون ثقافة دون مجلداته الثقافية وإبداعاته التي يجوب بها البحار متحدياً «ابن بطوطة»، كيف أجيبوني وأنتم من خرجتم من ثقافة «أشلك بالبحر وأهواله ورزق الله على السيف». وسأعود أردد رائعة الشرقاوي: «جروح قلبي وتر..وينك يا خالد عود..أعزف نغم للبدر يمكن تراه يعود ويجوف حالي الذيمن شوقه صاير عود».الرشفة الأخيرة قهوتي باردةويدي باردةوحبيبي خطوة في المطر وخطى في انتظار تضيء مر الهواء على يدي وعلى خطاه ضحكت يديورأيته فمتى أراهيا ليتني كنت الطريق وليتني كنت خطاه