لو تمعنون في خطابات قادة التحريض والتأزيم والعناصر الساعية لتنفيذ مخطط الانقلاب في البحرين بشأن تعاطيها مع تقرير اللجنة الدولية لتقصي الحقائق (تقرير بسيوني) ستكتشفون بأنهم تعاملوا مع هذا التقرير بأسلوبهم المعتاد القائم على الكذب والتدليس.اليوم خطاباتهم كلها تسبقها جملة «بسيوني يقول»، و»تقرير بسيوني أدان الدولة»، وأن «بسيوني أكد وجود هذا وذاك»، طبعاً مما يدين الدولة، بل مضى بعضهم إلى أبعد من ذلك، فأخذ يخترع الأشياء ويهولها وثم يقول بأن «بسيوني» قال ذلك وأكد عليه في تقريره، وحينما تبحث عما قاله وادعاه في تقرير بسيوني لا تجده! الظاهر الجماعة لديهم نسخة أخرى من تقرير بسيوني تم تدقيقها من قبل مدققي الولي الفقيه.الكذب صار يروج له باسم تقرير بسيوني، وباتت تنسج الحوادث باعتبار أن بسيوني دونها ورصدها، وبات كل شيء مقروناً بالتقرير، باعتبار أن الدولة لم تطبق التوصيات وأنها تماطل فيها، بينما الحقيقة تكشف وبالأرقام والدلائل وإعلان الدولة نفسها عدد التوصيات التي طبقت وآلية تطبيقها مع جدولها الزمني.لماذا يعمدون للكذب، ولماذا يزجون باسم بسيوني والتقرير في كل «فبركة» يسوقونها؟!الإجابة سهلة جداً، تكمن في السعي لإضفاء المصداقية على أكاذيبهم وادعاءاتهم، باعتبار أنهم ليسوا من يقول هذا الكلام بل بسيوني، وطبعاً القنوات التي تستضيفهم حتى لو كانت غير القنوات الإيرانية لو أرادت التأكد من ذلك فعليها مراجعة تقرير يصل إلى 600 صفحة للتأكد مما يقولون. هم يعرفون بأن لا أحد سيتعب نفسه للبحث عن الكذب في التقرير ودحضه في الوقت نفسه، بالتالي يقولون ويدّعون ويكذبون ويمعنون في الكذب ثم يقولون بأن بسيوني ذكر ذلك.ما يثير الشفقة أنهم يأخذون من بسيوني ما يريدون فقط، وما يزيدونه من بهارات وأكاذيب يقرنونها بالتقرير، في حين يتغافلون ويحاولون إهالة الرمال على ما وثقه بسيوني عليهم، وما أثبته بحق إجرامهم ومخططهم الانقلابي.في تقرير بسيوني هناك فصل كامل يتحدث عن «احتلال السلمانية»، وفيه يؤكد بسيوني على تسييس مجمع السلمانية الطبي من قبل الأطباء، والتقرير يؤكد إخلال الأطباء بقسمهم المهني وبواجبهم المنوط بهم خلال الأزمة ويثبت عملية «احتلال السلمانية»، حين يقول بأن المتظاهرين ومعهم بعض أعضاء الطاقم الطبي للمستشفى قاموا بالسيطرة على أجزاء منه، وأن بعض المرضى الأجانب تعرضوا لممارسة عدائية، في حين بثت أكاذيب إعلامية لبعض الوسائل الإعلامية، نافياً الادعاء الذي طالما كرروه بأنه تم منع سيارات الإسعاف بشكل تعسفي من الوصول لعلاج المتظاهرين.هذا الكلام في تقرير بسيوني وموجود تحت فصل كامل، فلماذا تنكرون وجوده من الأساس؟! ولماذا لا توردونه في حديثكم؟! أقلها ليست كذبة تساق ثم يقال في النهاية «بسيوني يقول»!في تقرير بسيوني أكد بأن الفارق كبير بين ما حصل في البحرين وما حصل في ثورات الربيع العربي، ووصف التقرير الحراك الذي حصل على أنه انتهج أسلوب الحركة العنصرية، التي استخدمت الاستهداف المذهبي أساساً لها، وأورد قسماً كاملاً يبين كيف كان استهداف الطائفة السنية. هل يمكنكم أن تنكروا بأن هذا الكلام غير موجود في التقرير؟!تقرير بسيوني حمل الوفاق مسؤولية ما حدث في البحرين حينما أكد بأنه لو قامت الوفاق بقبول الحوار الذي أطلقه سمو ولي العهد خلال مارس 2011 لساهمت في إحداث إصلاحات سياسية ودستورية في البحرين، ووثق التقرير سبب فشل الحوار الأول بأن الوفاق غيرت مطالبها وحددت شروطاً للقبول بالحوار الذي أطلقه سمو ولي العهد، ما يعني أن طرف التأزيم واضح ومحدد في التقرير، وأنه يظهر جلياً من كان هدفه الإصلاح وحماية البلد، ومن كان في المقابل هدفه المضي قدماً لتنفيذ ما يريده بطريقته ولا يقبل الجدال فيها. أيضاً سجل التقرير للنظام والدولة التعاطي الإيجابي مع عديد من الملاحظات والتوصيات، تحت غطاء حقوق الإنسان، وضمان المحاكمات العادلة، بالتالي ما حصل من تجاوزات ورصدت قامت الدولة بالتعامل معها، والدليل عديد من الإجراءات التي اتخذت وهدفت للمحاسبة إزاء الأخطاء، خاصة ما طال الناس بما يتنافى مع حقوق الإنسان. حتى التجني على المملكة العربية السعودية وقوات درع الجزيرة الذي كنا نسمعه من قبل دعاة الانقلاب في القنوات الإيرانية نفاه التقرير نفياً قاطعاً، مؤكداً عدم مشاركة القوات المشتركة في عمليات إساءة للناس أو عمليات على الأرض. بسيوني وتقريره يقولان: تأكدت اللجنة من الاستهداف العنصري للعديد من الأجانب، ما أدى إلى مقتل بعضهم، إضافة إلى استهداف السنة بسبب انتمائهم المذهبي وموقفهم المؤيد للنظام، ووصول ذلك لترميز البيوت الخاصة بأبناء هذه الطائفة، وتحديداً الضباط والأفراد العسكريين. هل يمكنكم أن تنكروا وجود ذلك في التقرير؟! هم ينكرون كل شيء يدينهم، في المقابل يبرزون ما سجله التقرير من تجاوزات وأخطاء قامت بها عناصر في أجهزة الدولة، بل يزيدون على ذلك باختراع الأكاذيب ويحاولون إضفاء الشرعية على ما يقولون بإيراد جملة «قال بسيوني» كما بينا أعلاه.إزاء كل ذلك، ينبغي على الدولة أن تقوم بعدة أمور هي في صلب صلاحياتها بشأن تقرير بسيوني، على رأسها محاسبة من يقوم بالكذب والادعاء ويلصق ذلك بالتقرير، إذ حينما يعمدون للكذب والزج بالتقرير في ذلك فإنهم يمارسون تضليلاً للرأي العام وتشويهاً لصورة البلد عبر ترويج الأكاذيب، وهذا لا يدخل في إطار حرية التعبير، كون حرية التعبير لا تعني أن لك مطلق الحرية في اختراع الأحداث وابتكار الوقائع والكذب ثم ادعاء أنها ليست من «بنات أفكارك» بل موجودة في تقرير موثق، والحقيقة خلاف ذلك.من يكذب بهذه الصورة ألا يستدعي مساءلته؟! سؤال نترك إجابته لمن يفترض أنهم يعرفون ما تنص عليه القوانين بشأن تشويه صورة البلد والادعاء بالكذب لتحقيق ذلك.نقطة أخرى تستوجب التحرك بشأنها، باعتبار أنهم يأخذون من تقرير بسيوني ما يريدون ويغيبون ما يريدون ويزيدون ما يريدون، إذ ينبغي رصد كل شيء في تقرير بسيوني وثق جرائمهم وإرهابهم وأثبت حراكهم العنصري الطائفي واستهداف المكونات الأخرى وإفشالهم لدعوات الحوار وفرص تهدئة الأوضاع. هذا الرصد هو ما سيكون «رداً قوياً» على كل من يريد الكذب والافتراء على التقرير والادعاء بأن ما يقوله تضمنه.نعم، التقرير وثق أخطاء حصلت من الجانب الرسمي، لكنه أيضاً وثق محاولة انقلاب وانتهاكات عنصرية وإرهابا وتأزيما للوضع المجتمعي من قبل المعارضة وقادة التأزيم، وهذه هي الحقيقة التي جرعتهم «المر»، خاصة وأنهم كانوا يريدون إقحام البحرين «قسراً» في ثورات الربيع العربي وهو ما لم يجزم به بسيوني ومالم يوافق عليه حتى حلفاؤهم الأمريكان مثل مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية مايكل بوسنر الذي قال بأنه لا يمكن اعتبار ما حصل في البحرين من ضمن ثورات الربيع العربي.الموضة الجديدة الآن تتلخص في التالي: اكذب واكذب ثم اختم الكذبة بـ»قال بسيوني».
Opinion
اختمها بـ: «قال بسيوني»!
٢٧ نوفمبر ٢٠١٢