ولماذا يحاول مرسي "شق الأميركيين”، فيصبح مصدر "توتر” بين وزارة الخارجية الأميركية وسفارتها في القاهرة؟ السفارة انحازت بوضوح الى المسار الديمقراطي على قاعدة ثورة 25 يناير، الوزارة ما زالت تعتبر الوضع في مصر بعد تفجير الرئيس قنبلة "الإعلان الدستوري” المحصِّن، "غامضاً”. تتريث الخارجية رغم "المليونية” في ميدان التحرير الذي انتفض مجدداً ضد اقتياد البلد الى ديكتاتورية جديدة. حاول الرئيس شق وحدة القضاة ضد "خطفه” كل السلطات لتحصين قراراته "السيادية”، وسعى إلى شق المحامين والنقابات والصحافيين، والمتظاهرين، باغته المستشارون فانشق بعضهم عنه.بين المصريين الذين انهالت عليهم قنبلة مرسي والقنابل المسيلة للدموع قرب الميدان، اختفت وجوه شباب ثورة 25 يناير، فيما المنتفضون على "الإعلان الدستوري” يتهمون مرسي بـ "بيع الثورة” والأميركيين بالتواطؤ "مكافأة له” على وساطته - المظلة لاتفاق التهدئة بين إسرائيل و«حماس” في غزة. والحال أن أمر الرئيس الآتي من تحت عباءة "الإخوان”، لا يحيِّر الأميركيين وحدهم، هم الذين بوغتوا بعجزه عن تحمّل إغراء إشادة واحدة من واشنطن بما فعله لوقف الحرب على غزة. حاول مرسي استثمار "انتصار” حماس في القطاع، انتصاراً له، ضيّع البوصلة -يقول مصريون- ولم يبقَ إلا أن يقتدي بلويس الرابع عشر. وعلى سبيل التندر ايضاً، خشي بعضهم من أن تتغلب الحماسة على جأش مرسي، فيستخدم سلطته "السيادية” المحصّنة، ويفاجئ الجيش بإعلان حرب تحرير شاملة في مكانٍ ما، حتى من دون انتظار تلقي القاهرة قرض الخمسة مليارات دولار من صندوق النقد.وإذا كان أمراً عادياً في شؤون السياسة، أن تكون لكل حُكمٍ أو حاكم معارضة، أو خصوم، فـ "معجزة” الرئيس المصري الذي لم يمضِ سوى خمسة أشهر في القصر، أنه استعدى الجميع وراح يتحدّاهم، كما تفعل جماعة "الإخوان” حين تهدد بـ "النزول الى الشارع” لأن "الإعلان الدستوري لن يُسحب”.شارع في مقابل شارع، المأزق أكبر بكثير من مجرد أزمة عابرة. والكارثة حتمية إذا كان "الإخوان” مقتنعين بالفعل بأن تحالفهم مع التيارات الأخرى في الإسلام السياسي سيمكّنهم من كسر إرادة الشارع وتحالف المنتفضين من القوى الليبرالية والمدنية... من أجل "تهريب” مشروع الدستور. الكارثة أن يتوهم مرسي بأن أيام الغضب عابرة ما دامت حجة "الفلول” والتخوين جاهزة، وبأن كل ما يحصل مجرد فورة تحدٍّ، وما عليه إلا أن يثور.. لكرامته.وما بين كرامة الرئيس وهيبته، وحرية المصريين الذين لا يريدون "ديكتاتوراً آخر”، يستعجل "الإخوان المسلمون” إفشال تجربتهم في الحكم وإدارة شؤون أكثر من ثمانين مليون مصري. معظمهم جزم بأن "خديعة” الجمعية التأسيسية للدستور الخاضعة لـ "الإخوان” لن تمر، فما الذي يبقى لمرسي من أهداف السلطات المطلقة، "الموقتة”.. حتى إنجاب دستور ما بعد الثورة؟ وقائع أسبوع "الإعلان الدستوري” الذي اعتُبِر بدعة أو هرطقة، ألم تكن كافية ليدرك الرئيس المصري أنه ببيان واحد دمّر كل جسور الثقة مع الشارع والمعارضة، وأنه حتى لو تراجع -وهذا احتمال ضئيل- لن يمكنه الدفاع عن صدقية وعوده، خصوصاً حماية مسار الثورة؟يثور مرسي لكرامته وهيبته وقبضة "الإخوان”، ينتفض معظم المصريين ضد ثورته. "المليونية” في ميدان التحرير جرس إنذار لـ "الإخوان”، الوضع "غامض” في عيون الأميركيين، صادم للمصريين ولمَنْ لايزال لديهم أمل بأن شمس "الربيع العربي” ستشرق يوماً، رغم ما للثورة من أدعياء أبوّة لها، يخنقونها لفرط "حرصهم” عليها.صَبَرَ "الإخوان” عشرات السنين على إقصائهم في مصر، وبعد أشهر معدودة على دخول مرسي قصر الرئاسة، تُذكِّر قنبلة الإعلان اللادستوري، بوقائع أيام "غامضة”، حين نجح الرئيس بصفعة واحدة في إطاحة جنرالات المجلس العسكري. في القصر اليوم جنرال "الإخوان” في مواجهة جنود ميدان التحرير. أيمكن المضْطَهَد أن يضطهِد ويستبدّ؟دروس ربيع العرب ساطعة، إلا في عيون الأميركيين الذين لم تبقَ في أيديهم إلا ورقة صندوق النقد، ومشاريع حروب صغيرة وأدعياء بطولة وانتصارات.عن جريدة «الحياة»