ما الذي تسعى إليه الجماعات الراديكالية بعد مماطلتها في استكمال حوار التوافق الوطني؟ وما هي خياراتها الاستراتيجية في حالة نجاح أو فشل الحوار؟ وكيف ستتمكن من تحقيق أجندتها؟وغيرها من الأسئلة المهمة التي باتت محل جدل واسع ونقاش هذه الأيام، فالمراقبون لجلسات الحوار يرون المماطلة وعدم الجدية البالغة من قبل ممثلي الجمعيات السياسية الراديكالية التي تتشدق بالشروط تارة، والآليات تارة أخرى، ويتم التحكم بهذا المشهد في العرين من خلال عيسى قاسم والتعليمات الآتية من طهران. حصيلة الحوار حتى الآن لا تتعدى إثارة بعض القضايا الهامشية، والدخول في جدل وسفسطة حول آليات الحوار ونسب التمثيل. وأيضاً يلاحظ من الحوار الابتعاد قدر الإمكان عن الأجندة التي يفترض مناقشتها بحيث يتم التوافق عليها سريعاً، ولذلك مازالت الأجندة غير معروفة، وهو تردد وخوف شديدين لدى ممثلي الجمعيات السياسية الراديكالية لطرحها قبل مناقشتها حتى. يتزامن الحوار الذي مضت عليه الآن عدة أسابيع مع تصاعد العمليات الإرهابية التي تستهدف المواطنين ورجال الأمن والمقيمين الأجانب. رغم أن القناعة السائدة لدى جماهير الجمعيات الراديكالية أنه لا مخرج ولا جدوى في الأفق مع استمرار الإرهاب والعنف السياسي، بل الخسائر أكبر من ذلك بكثير، وهي تزداد مقابل تجرع الوهم والعيش في الخيال لتحقيق ما تسمى بـ «المطالب السياسية». خاصة وأن البحرين شهدت العديد من موجات الاحتجاج السياسي والإرهاب منذ الاستقلال على الأقل، ونمر حالياً بالموجة الرابعة، وجميعها أثبتت فشلها بدون جدال، ولم تحقق نتائج القائمين عليها أبداً. من الواضح الآن أن الجمعيات الراديكالية تمر بمرحلة ترقب ليس ترقباً للأوضاع الداخلية، وإنما للأوضاع الإقليمية والدولية، فهذه الأوضاع التي تتسم بالفوضى الخلاقة هي التي ستحسم الموقف النهائي لهذه الجمعيات للاستسلام، أو اللجوء لخيارات أخرى، وفي مقدمتها خيار التدويل. العامل الأبرز في نظرة الجمعيات الراديكالية تجاه الأوضاع الداخلية، هي ما يجري في سوريا، فهي معركة تخوضها طهران وبغداد مع دول الشرق الأوسط والقوى الدولية الأبرز، وإذا نجحت دمشق من إطالة أمد الصراع، فإنها ستكون ذراعاً جديدة لإيران، وإن سقط النظام فإنه من المتوقع حتماً أن تبذل طهران جهودها لتكوين نخبة سياسية موالية فاعلة في النظام السياسي السوري الجديد الذي لن يتوقع له الاستقرار سريعاً بعد سقوط النظام مباشرة. وفي كلتا الحالتين فإن الخاسر الأول هي طهران، حيث لن يقبل الشعب السوري وجود النفوذ الإيراني على أراضيه كما هو الحال بالنسبة للعراق بعد سقوط النظام في 2003. ومن السيناريوهات المحتملة جداً حدوث صراع سياسي عنيف داخل سوريا، ستتدخل فيه عدة أطراف منها إيران ودول عربية أخرى. وفي هذه الحالة أيضاً ستكون طهران أمام عدة جبهات في الخليج وفي الشام. ما يزيد من تعقيد الأمور أن الانتخابات الرئاسية الإيرانية على الأبواب، ومخاطر اندلاع ربيع إيراني جديد واردة للغاية، ولذلك فإن طهران أمام ثلاث جبهات محتملة ينبغي الاستفادة منها إقليمياً ودولياً. هذا هو الجانب الأهم من المشهد الإقليمي والدولي الذي تراقبه الجمعيات الراديكالية في البحرين، وتعوّل عليه، ولكنه للأسف تعويل فاشل وخاسر. لن نتحدث عن خيار استسلام الجمعيات الراديكالية لأن مبرراته معروفة، ولكننا سنتحدث عن خيار التدويل، في حالة فشل الحوار، أو طال أمده دون نتائج حقيقية، من المتوقع أن تحاول هذه الجمعيات التصعيد، وإلقاء المسؤولية على الأطراف الأخرى المشاركة في الحوار، ويتم اتهامها بعدم الجدية، وبعدها يتم إحياء المطالبات القديمة بضرورة تدويل أزمة البحرين، بحيث يكون هناك دور للأمم المتحدة باعتبار الصراع طويل الأمد، ولم تجد الحلول السياسية نفعاً. هذه المحاولة فاشلة باعتبارها سيناريو غير مفيد، لأن الجمعيات الراديكالية التي وضعت خيار التدويل ضمن أجندتها تناست جيداً تورطها في أعمال الإرهاب، ومتى ما كان هناك إرهاب فإنها لن تجد من يدعمها دولياً إلا القوى الدولية المتطرفة التي لها أجندة مباشرة في البحرين. وستبوء محاولتها بالفشل مجدداً، وهي حالة مشابهة جداً لما حدث في ديسمبر 2005 عندما تبنى الإرهابي حسن مشيمع وتنظيمه الإرهابي آنذاك «حركة حق» مشروعاً لعريضة شعبية تقدم للأمم المتحدة تتضمن طلب الاستفتاء على نظام الحكم في البحرين، طبعاً المحاولة باءت بالفشل، ولم تحظَ بالترحيب من المنظمة نفسها أو من أي حكومة أجنبية، وحتى إيران نفسها!لسنا بحاجة لترقب الجمعيات الراديكالية ما يحدث في سوريا والوضع الإقليمي حتى نقرر كيفية التعامل معها، بل الحاجة ملحة لإنهاء ملف فتح من قبل، وآن أوان إغلاقه.