الرأي

عـافيـــة تتـألـــق

المسير

يقول الإمام الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: (إن الله يكلفك بقدر ما يعطيك.. ومن الخطأ أن تحسب رأس مالك هو ما اجتمع لديك من ذهب وفضة!! إن رأس مالك الأصيل جملة المواهب التي سلحك القدر بها، من ذكاء، وقدرة، وحرية، وفي طليعة المواهب التي تحصى عليك وتعتبر من العناصر الأصيلة في ثروتك ما أنعم الله به عليك من صحة سابغة، وعافية تتألق بين رأسك وقدمك، وتتأنق بها في الحياة كيف تشاء).
يروى أن «الرشيد» قال لابن السماك: «عظني» -وقد أتي بماء ليشربه- فقال: «يا أمير المؤمنين، لو حبست عنك هذه الشربة أكنت تفديها بملكك؟» قال: نعم. قال: «فلو حبس عنك خروجها، أكنت تفديها بملكك؟» قال: نعم. قال: «فما خير في ملك لا يساوي شربة ولا بولة؟!»».
وقال صلى الله عليه وسلم في حديث رواه الترمذي: «سلوا الله العفو والعافية فإن أحداً لم يعط بعد اليقين خيرا من العافية». وقال صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ». وقال عليه الصلاة والسلام: «من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا».
وأخرج ابن أبي الدنيا عن وهب بن منبه قال: رؤوس النعم ثلاثة: «أولها نعمة الإسلام التي لا تتم النعم إلا بها، والثانية: نعمة العافية التي لا تطيب الحياة إلا بها. والثالثة: نعمة الغنى التي لا يتم العيش إلا بها».
ما أروعك يا صاحبي عندما تتألق في وجهك السعادة والفرح والسرور وأنت تلبس ثوب الصحة والعافية، وما أجملك عندما ترف بصحتك وعافيتك على زهور السعادة والأمل، وما أطيب نفسك عندما تسجد شكراً لله، وترفع كفوف الشكر والحمد لبارئها بما أنعم عليها من نعمة الصحة والعافية.. إنها «موهبة» عظيمة كما قال عنها شيخنا الغزالي رحمه الله قل من يوفيها حقها من الشكر والحمد والثناء، وقل من ينميها في نفسه ويصقلها ويجعلها كجرعات العلاج تسري في شرايينه.. موهبة أحلى وأروع من بعض محاسن الأمور، لابد أن تلهج بها الألسن حمداً لله بما أعطاها من جسد يسير في ركب الحياة لله، ولسان قادر على ذكر الله، وقلب متصل ببارئه الكريم..
ما أحلى هذه الموهبة عندما تراها متألقة في أعز أحبابك.. والدك ووالدتك.. أسرتك.. عيالك.. زوجك.. أهلك ومحبيك.. أصحابك.. ما أروعها عندما تراها تضيء من نفسك أولا ثم تراها سريعة الثمر في كل من يشاركك لقمة الحياة.. موهبة تنظر إليها بنظرات إعجاب تغسل كل أدران الحياة، وتزيل كل عثرات العيش، وتجعلك تزهد في كل شيء.. فقط لأنك بصحة وعافية تقدر أن تمشي بها على أرض تبصم فيها الخير، تتلذذ بآيات الله البيانات، بذكر يشفع لك عند الديان، باستغفار يغسلك من الخطايا، بابتسامة مشرقة تفرح بها أهلك ومحبيك ومجتمعك، بعمل خير يكتب لك في صحائف الأعمال.
لا تحزن من أي خطب يعتريك، ولا لشدة تنزل بك، ولا لضيق رزق يجوب في طرقاتك أحياناً، ولا تتأفف من واقع تعيشه مرغم أنت أن تعيشه بما قدره الله لك.. اسأل نفسك في كل حال: هل أنا بصحة وعافية ومن أحبهم ومن يعز عليّ؟ هل أقوى على الوقوف بين يدي الله راكعاً ساجداً متبتلاً؟ هل أستطيع السجود والتذلل لله تعالى في وقت حرم فيه البعض من أن يسجد سجدة لله؟
اسأل نفسك وافتح تلك الأنفس المتضايقة التي باتت تعيش في حزنها الدفين.. وإن قدر وابتليت.. فهو أيضا صحة وعافية لك.. اصبر.. فلك الأجر والمثوبة.
وها هو نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم يسأل ربه العفو والعافية إذا أصبح وإذا أمسى: «اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي، وأهلي ومالي اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك من أن أغتال من تحتي».
لا تخدعك الدنيا بسرابها الفاتن، ولا تعش في أوحال الأحزان السرمدية، ولا تطلب الدنيا بكثرة السؤال، ولا تلتفت لأوهام زائلة وضوء شمعة تحترق، بل ازرع في قلبك «بذرة محبة الله» التي لن تثمر إلا إذا أحسنت الصنيع لجنة خالدة، وأحلى صنيع لك أن تصحو صباحاً تحمد الله تعالى على صحتك وعافيتك، وتدعو الله أن ينعمها عليك وعلى دينك ودنياك وأهلك ويسترك بها في الدنيا والآخرة.. وتحمد الله عليها.. فغيرك قد حرم من أبسط مقومتها.. اللهم لك الحمد على ما أنعمت به علينا من صحة ومعافاة.