سأبدأ من حيث انتهى الرئيس أوباما بتأبينه للأمير نايف بن عبدالعزيز الذي نعزي فيه الأمة العربية لفقدها هذا الرجل، فقد قال الرئيس أوباما بأن الأمير نايف أنقذ الآلاف من أرواح الأمريكيين.. وهذا صحيح. فالتعاون الأمني بين الاثنين حفظ أمن المنطقة والأمن الإقليمي والدولي من خطر القاعدة، هذا تعاون لا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تنكره، لكنها الآن تكاد تفسد ما نجحت فيه سابقاً!! التحالف الأمريكي مع دول مجلس التعاون أثمر بالفعل بنتائج أدت إلى تقليص نفوذ وقوة القاعدة في كافة دول مجلس التعاون، وعموماً لم يجد هذا الفكر له سوقاً رائجة في دول مجلس التعاون -خصوصاً في البحرين- طوال فترة الحرب على الإرهاب، فهو فكر إقصائي متعصب يميل للعنف على عكس طبيعة الشعب الخليجي. إنما يستطيع أي مراقب أن يرى صعود هذا الفكر (خليجياً) في الكويت والبحرين على وجه التحديد تلك الدول التي قاومت هذا الفكر لأكثر من عقد من الزمان، ولا يمكن أن أبرئ ساحة السياسة الأمريكية في المنطقة من ردة الفعل العكسية هذه. فمن بعد الانحياز الأمريكي لحزب الدعوة العراقي، ومن بعد إقصاء سنة العراق، ومن بعد أحداث البحرين والانحياز السافر السياسي الأمريكي لحزب الدعوة البحريني، شعر السنة بخطر تهديد المصير في الخليج العربي كله لا في البحرين فقط مما جعلهم (يتفازعون) لبعضهم بعضاً. مما سمح لفكر القاعدة المتطرف أن يجد فسحة من العلنية والانتشار، وممكن ملاحظة ذلك بسهولة، صحيح ليس هناك نشاط ميداني لتنظيم القاعدة في دول الخليج، إنما تزايد شريحة المتعاطفين وحده يعد مؤشراً خطيراً؛ إذ بالإمكان تتبع شريحة تتسع من شباب السنة تبدي تعاطفاً ملحوظاً مع فكر القاعدة المناهض للغرب، وبدأ التيار يعلن عن نفسه بشكل سافر، وبدأ أنصاره في تزايد وبدأ يعمل ضمن أطر الدولة الدستورية؛ أي يستفيد من قوانينها بعقد الاجتماعات العلنية وبتسيير المسيرات، أي أنه يمارس كل ما هو متاح له أن يمارسه ليعبر عن رأيه المناهض للغرب. هذا متغير لا يجوز إسقاطه من حساباتنا، ولا يمكن أن استبعد أن يجد هذا الفكر من يفعله ميدانياً، أضف له متغيراً جديداً وهو الحراك السني على مستوى دول مجلس التعاون متمثلاً في الفزعة للبحرين ومن ثم الفزعة لسوريا. ولا نتحدث هنا عن الموقف الرسمي؛ بل الموقف الشعبي، وهو موقف يحمل الطابع التنظيمي وممكن قياس مؤشراته بسهولة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. فاليوم نرى عملاً تنسيقياً يتجاوز جمع التبرعات لمساعدة المتضررين من أحداث سوريا، اليوم نرى دعماً لوجستياً، بل حتى دعماً قتالياً ميدانياً (للتذكير فقط حين قمع نظام الأسد الأب سكان حماة في الثمانينيات لم يخلق ذلك ردة فعل "مذهبية” وتكتلاً مذهبياً في دول الخليج العربي، إنما اليوم فإن التدخلات الإقليمية والدولية، ومنها سياسية الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، حفزت الشعور بالخطر والحاجة للتكتل المذهبي). فالسنة لا يثقون بالموقف الأمريكي في سوريا على أرض الواقع لأنه موقف لا يتفق مع خطابها، ويرون سياسيتها هي استمرار لدعم وإبقاء النظام العلوي الشيعي الحليف لإيران.. وهذا ما يهم. ارتكبت الولايات المتحدة الأمريكية أكبر أخطائها الاستراتيجية في المنطقة بدعمها وانحيازها لعمامة دينية شيعية في ثلاث دول عربية؛ العراق البحرين وسوريا، وهي عمامة لا تمثل في إقليمها العربي سوى الأقلية في منطقة يغلب عليها المذهب السني، إنها تعرض مصالحها وتعرض أمنها والأمن الدولي للخطر، والأهم أنها تعرض الأقلية الشيعية كجماعة سكانية للخطر بمحاصرتها بين حزب الدعوة الذي لا يمثلها وبين سنة يضعونها في سلة واحدة مع ولاية الفقيه الإيرانية، فالبيئة التي تدور فيها الصراعات المذهبية بيئة ليس لديها ترف الوقت للتفرقة والتمييز. في البحرين يصل الاستفزاز الأمريكي اليوم ذروته بتزامن خروج عمامة شيعية تهدد أهل البحرين بلبس الأكفان، بفتوى واحدة من كلمتين تخرج عشرات الآلاف من مجاهديها، مع قدوم بوسنر للبحرين ليهين قضائها ويلزمها أن تقول سمعاً وطاعة لمجرمين انتهكوا شرف المهنة وأمانتها تابعين لتلك العمامة، هذا التحالف يشكل أكبر استفزاز للتطرف السني وأكبر تحفيز له، وهو ما لا نتمنى حدوثه. ولا تعتقد الولايات المتحدة الأمريكية أن هذا التطرف سيوجه سهامه للأنظمة، فالتهديد الذي تشعر به الأنظمة من قبل السياسة الأمريكية يدفعها نحو الحائط ولا يترك لها خياراً سوى بالبحث عن مساعدة. كما لا تعتقد الولايات المتحدة الأمريكية أن الغالبية السنية ستسعى للتغير غافلة عن محرك الأحداث الخفي، وهو سياستها الخارجية، فالتهديد أصبح يطال الاثنين معاً (الأنظمة والشعوب الخليجية) والمصدر هما الاثنان أنتم وحزب الدعوة الخليجي. وبهذا تدفع الولايات المتحدة الشعب البحريني والشعوب الخليجية التي ترى نفسها اليوم في عزلة أمام تحالف عمامة شيعية مع قوة عظمى ضده ضد كرامته وسيادته، تدفعه لأن يلجأ لعمامة مضادة تستصدر الفتاوى هي الأخرى المقابلة والنقيضة، وتدعو للبس أكفان مقابل أكفان، فتتحول البحرين لعراق آخر يموت فيها الشيعة والسنة بتفجيرات وتفجيرات مقابلة، فهل هذا هو الهدف والمراد؟ إنها تدفع الشعوب الخليجية السنية، وهي تشكل غالبية سكان المنطقة 95%، أن تتحد ضد أقلية لا تزيد عن 5% لا ذنب لها، لكنها ستؤخذ بجريرة العمالة نتيجة انحياز دولة كالولايات المتحدة لعمامة شيعية لا تمثل سوى شريحة تصغر إلى حد لا ترى بالعين المجردة مقابل شعوب المنطقة كلها بسنتها وشيعتها. سنة الخليج يرون في تعاونكم مع شيعة العراق ومع شيعة البحرين تهديداً لكيانهم ومصيرهم، إنكم تعرضون كل مصالحكم في المنطقة للخطر، وتعرضون الأقلية الشيعية للخطر، وتقسمون المنطقة تقسيماً طائفياً مقيتاً لأنكم لا تبقون للشعب الخليجي خياراً سوى الانتفاض لكرامته. أهذا الذي تسعون له؟ أتسعون لتحويل المنطقة لبؤرة صراع طائفي لا يهمكم خسارة الأرواح فيها؟ أتسعون لتهديد مضائق البحر وتسعون لارتفاع أسعار البترول نتيجة زيادة المخاطر في المنطقة؟ هل يعقل أن تكون هذه التبعات غائبة عن حساباتكم؟ أشك في ذلك. الحرب التي خضتموها في العالم تمت بمساعدة الشعوب الخليجية وأنظمة دول مجلس التعاون التي رفضت الإرهاب ورفضت وصاية رجل الدين عليها، وإن كان سنياً، لكنكم اليوم تهددون السنة وتهددون الشيعة الذين لا يريدون الخضوع لعمامة ولي فقيه، وتجبرونهم على ما امتنعوا عنه طوال فترة الحرب على الإرهاب، لأنه إن كان لابد من عمامة.. فلتكن عمامة الأغلبية!