تداعيات أزمة العام الماضي فرضت علينا الآن موجة هائلة من التطرف الذي نكتوي منه يومياً، وهو تطرف موجود لدى المكونات الرئيسة للمجتمع البحريني سنة وشيعة، فإلى أين سينتهي هذا التطرف؟ وهل الاتجاهات المستقبلية تشير إلى إمكانية تراجع هذا التطرف أو ارتفاع حدته؟قبل الحديث عن الاتجاهات المستقبلية للتطرف في البحرين ينبغي التطرق إلى أهم مظاهر هذا التطرف في ظل عدم إيمان البعض بأن ما يحدث اليوم يعد تطرفاً. التطرف الذي نقصده هنا هو القدرة المفرطة على التمسك بالرأي والموقف السياسي الذي يدفع الفرد إلى تبني سلوك سياسي عدائي مهما كانت درجته، ومهما كانت نتائج تعارضه مع الآراء الأخرى. لنأخذ مثالين حيين على هذا التوصيف البسيط، لدى المكوّن السني في النظام السياسي البحريني حالة تطرف تصل إلى درجة الدعوة لعصيان القيادة السياسية وتفسّر بأنها نصح للحاكم أو القيادة أو ولي الأمر مهما اختلفت المسميات. كما يتم تبرير هذه الدعوة بأنها ردة فعل على ما يسمى بـ "التجاهل والاكتراث من قبل القيادة السياسية لمطالب شريحة واسعة من المكوّن السني”، هذا التوجه يعني تطرفاً. مثال آخر لدى المكوّن الشيعي الذي تطالب شريحة منه مثلاً بإسقاط النظام تحت أي مبرر كان، سواءً كان المبرر مرتبط بـ "مظلومية تاريخية”، أو الرغبة في الاستحواذ على مقدرات الدولة البحرينية.. إلخ، هذا أيضاً يسمى تطرفاً. من المثالين السابقين يمكننا الخروج بخلاصة أن مطالبة فئة سنية بعصيان القيادة السياسية كسلوك احتجاجي لا يختلف كثيراً عن مطالبة فئة شيعية إسقاط النظام، وهذه حقيقة غائبة عن الرأي العام اليوم. ننتقل لتحليل الاتجاهات المستقبلية للتطرف في البحرين، ولنكن أكثر موضوعية فإننا سنناقش الموضوع على افتراض عدم تدخل الدولة ومؤسساتها للحد من التطرف. فكيف ستكون مستقبل هذه الظاهرة؟ أثبتت الأحداث التاريخية لموجات التطرف التي تشهدها الدول بعد حالة من الاحتجاج السياسي "بناءً على دراسة نماذج الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، فرنسا، روسيا” أن الفئات المتطرفة تصل إلى مرحلة متقدمة من النفوذ السياسي، ولكنها لا تستطيع بأي شكل من الأشكال مواصلة الحفاظ على نفوذها السياسي، لأنها تتحول سريعاً إلى فئات منبوذة فتنهار لاحقاً. وإذا طبقنا هذا التحليل على البحرين، فإن موجة التطرف الراهنة قد تصل إلى مراحل متقدمة ونفوذ أكبر مما هي عليه اليوم، ولكنها لن تتمكن من الاستمرار بالشكل الذي تطمح إليه لسبب بسيط وهو الصراع الذي سيكون بين الفئة المتطرفة وفئات الاعتدال السياسي. والخلاصة النهائية أن مسألة استمرار التطرف واردة جداً، ولكنها مرحلة من تاريخ النظام السياسي ستنتهي إن لم يكن الآن، فإنها خلال فترة لاحقة. ولابد من استذكار حالة تاريخية مماثلة إلى حد قريب عندما كان التطرف لصيقاً بالتيارات اليسارية في منتصف القرن العشرين، ولجأ المتطرفون في اليسار إلى تشكيل ميليشيات ومواجهات أمنية وعسكرية، فكانت النهاية نهايتهم، ولم تعد لهم قائمة منذ ذلك التاريــخ وحتـــى يومنــا هــذا. ولكن المختلف اليوم أن التطرف ممزوج قسراً بمنطلقات دينية، ومع ذلك فليس متوقعاً استمرارها.