أكتب هذه السطور من وحي تعليقين على عمود أمس لأخوين وطنيين عزيزين، لا نعتبرهما في صحيفة "الوطن” قراء يعلقون فقط، بل زملاء "وطنية” وبواعث أفكار تعكس لنا النبض الحقيقي للشارع البحريني.الأخ العزيز محمد سعيد الكوهجي علق معاتباً: "أخي فيصل لماذا هذه السوداوية، وأنت كنت ذاك الدينمو الوطني المحرك طوال الوقت، كنت لنا ذاك المداد العجيب وتلك الطاقة المحركة بدخانها وغبارها وزيتها، ألم تكن ذلك اليافع في كل المحاور السياسية، والنافع والمبرمج والمتألق والطروب الصداح”.الأخ العزيز الآخر "حارب” صاحب التعليقات والآراء التي تضرب على الوتر، في زمن بات قول الحق فيه كمن يمسك بالجمر في يده، عقب بتشخيص سليم قائلاً: "أخي -الذي أحبه- الكوهجي، ألم تسمع ما قالته كوكب الشرق أم كلثوم "للصبر حدود”، كذلك شعب البحرين يردد اليوم ما قالته كوكب الشرق كما يردد أيضاً "يا مصبر الموعود”، لعبة جهنمية نصطلي بنارها وحالنا كحال الأصمخ في الزفة. حارب”.بين كلمات الاثنين أقول بوجع؛ ليست هذه حال البحرين التي حلمنا بها أبداً، ليست هي "الطاهرة” التي ولدنا على ترابها الغالي والذي مرغنا أنوفنا فيه يوم كنا صغاراً. ليست البحرين بلدي تلك التي تئن ولا نملك وقف أنينها. آه ليت الكلمات بإمكانها وقف هذا الأنين. والله وصلنا لمرحلة قلنا فيها لماذا كتب الله علينا أن نرى بلادنا في هذه الحال، لماذا لم يأخذ أمانته قبلها؟!كلمات العجز سهلة، والسوداوية تكون حينما نفقد الأمل تماماً، لكننا من الاستحالة أن نعجز أو نفقد الأمل، أتعرفان أخواي لماذا؟! لأن البحرين لم توجد حتى نرخص بها، وحتى نبيع ترابها في سوق النخاسة، وحتى نتراجع في الدفاع عنها لمجرد أنه تم استهدافنا أو إهدار دمائنا أو ترهيبنا. هذه أرضنا التي دونها نموت ولأجلها نضحي. لم نتداعَ جميعنا للبحرين فقط لأن لدينا أطماعاً وأجندات ضيقة تحركنا، أو لأننا نأتمر بأمر رجل فانٍ، بشر يمكن أن يرتكب من الأخطاء ما شاء الله في وقت نعلم فيه بأن زمن المعصومين انتهى.ليس حديث يأس أبداً، فمن ييأس من حال بلاده، ومن الدفاع عنها، هو من يفترض أن يراجع حساباته، إذ أبداً لم يكن الدفاع عن تراب الوطن الغالي مقترناً بأمور أخرى. قلتها في "عز” الأزمة لسمو رئيس الوزراء حفظه الله وعلى مسمع ومرأى من صحافيين شرفاء مخلصين لهذا الوطن كأم بسام وسميرة وبن سوار والزياني وغيرهم بأننا لا نريد من الدولة شيئاً، لا نريد عطايا أو مزايا مثلما تحصل عليها آخرون طعنوا البلد في خاصرته، لا نريد مناصب أو مراكز نجحت كثيراً في قلب المعارض لممثل فاشل يقوم بدور المخلص، بل ما نريد لهذا الوطن أن يكف عن تقريب خائنيه وضاربيه في ظهره، أن يكف عن رفع مشكوكي الولاء إلى أعلى عليين، ونسيان المخلصين وتركهم في أسفل سافلين، فقط لأن الفئة الأخيرة ولاؤها مضمون. قلت لأسد البلد خليفة بن سلمان ويشهد عليّ الزملاء، بأن البحرين "ولادة”، البحرين فيها المخلصون، فيها رجال يريدون نيل شرف الدفاع عنها والعمل لصالحها لا يرتجون وراء ذلك مكاسب خاصة، أو منافع أو كراسي بسببها ينسون البحرين ومن فيها، وبسببها لا يرمش لهم رمش إن حرقت عن بكرة أبيها. البحرين فيها رجال، فأينكم عن الرجال؟!نعم يا حارب، للصبر حدود، والمخلصون صبروا كثيراً، صبروا على ضربات الغدر والخيانة، لم يتهوروا ليواجهوا العنف بالعنف وهو في مقدورهم، لم يخرجوا ليردوا بالمثل على من حول الورد إلى سكاكين، وعلى من قال لهم ارحلوا، ولمن قال بحق رجال الأمن اسحقوهم، ولمن اعتدى على الفتيات في الطرقات، واستهدف طائفة بأكلمها وعمالاً عزلاً. لم يفعلوا ذلك كله، لأن ولاءهم للأرض يمنعهم من سكب الدماء عليها، ثم التراقص على الجثث والمتاجرة فيها. الشعب المخلص صبر وصبر وصبر، حتى أعياه الصبر. طالب وطالب بالقانون في دولة مؤسسات وقانون، ترفع ذلك كشعار، فوجد أن القانون يطبق على فئة مخلصة لكنه لا يطبق على من باع البلد مرات ومرات ومازال. عول على الحكمة والروية في المعالجة، ففوجئ بأن كل ذلك أصبح يأتي على حسابه، وأن الناطق بالحق هو "الشيطان الأخرس”.الأزمة عرفتنا حقيقة أمور عديدة، بينت لنا حقيقة الوجوه المتلونة، ومن كان يلبس قناعاً زائفاً، ومن كان يسن نصله ليغمده في ظهر البحرين، وعرفتنا أيضاً بأن رجال فبراير ليسوا رجال أبريل وما أعقبه. لسنا ممن يزايد على الوطن، أو ممن يمنح نفسه حق تصدير صكوك الوطنية إن وافق ذلك هواه، لكن لا يتساوى أبداً من وقف وقفة دفاع عن وطنه، مع من انكمش في مكانه، ومن اختفى فلم يبنِ له غبار، من آثر الصمت والترقب، ليرى أين الغلبة، ومن سكت خوفاً على نفسه، بعدها خرجوا علينا ليدعوا بأنهم أول المدافعين عن البحرين. بسبب هؤلاء كادت أن تضيع البحرين، بسبب هؤلاء لن ينصلح حال البلد، وكيف ينصلح ومازلنا لا نميز "الخبيث” من "الطيب”؟!ليست سوداوية أخي الكوهجي، لكنها واقعية تتطلب وقفة جادة، وكلاماً "صادقاً”، وأنت أعرف بوجع الكلام الصادق. ليس الانقلابيون في مقام اليوم لنستمر في مخاطبتهم وكشف كذبهم، فالكاذب زيفه معروف منذ البداية، لكننا في مقام "مكاشفة” مع الدولة، في موقع خطاب صدق معها، نقول فيه بأن المخلصين من أبنائكم "بلغ سيلهم الزبى”، مخزون الصبر بدأ ينفذ، قناعة الإخلاص الثابت للأرض راسخة باقية، لكن قناعة الوثوق بصحة المعالجة اهتز وكأن الأرض تخسف بنا.إلى متى؟! إلى متى ستطالبون هؤلاء المخلصين بالصبر، وانتم تثبتون لهم يومياً بأن صبرهم ليس إلا مرادف للهوان والعجز؟!يقولون الصراخ على قدر الألم، ونقول بأن ألمنا ليس ألم ضربات غدر وخيانة، إذ الأخيرة هي التي تجعلنا متمسكين بالذود عن تراب وطننا الطاهر أكثر، لكن الألم الأكبر هنا حينما يأتيك الوجع "من بطنك”، لا من نصل خنجر غادر مسموم.