صنعت جموع الفاتح تجمع الوحدة الوطنية، هب الناس دون سابق ترتيب وأعلنوا عن أنفسهم، عن حجمهم، وعن رؤيتهم ومنهجهم الإصلاحي في البحرين، صحيح أن الفضل يرجع، بعد الله سبحانه وتعالى، إلى بعض (قيادات) التجمع الحالية في اقتراح صلاة جامعة إلا أن هبة شعب البحرين العفوية والغفيرة ضد دعاوى إسقاط الدولة كانت هي التي قلبت موازين 14 فبراير في البحرين وكانت الملهم الحقيقي لتأسيس تيار الفاتح.دخلت (قيادات) تجمع الوحدة الوطنية في خلافات عديدة، في البدء كانت مقبولة، لأنها تعبر عن تكوينات هذا التيار المتعددة وغير المتنافرة في الوقت نفسه، كانت الخلافات الأولى حول تحول تيار الفاتح من ائتلاف إلى جمعية، وبعد إعلان تأسيس (جمعية) تجمع الوحدة الوطنية دخلت (القيادات) في خلافات حول التشكيل الداخلي للجمعية وكانت أيضاً خلافات مقبولة؛ لأنها لابد أن تسفر عن عمليات فرز تحدد خط الجمعية وتوجهاتها، إلا أن مسلسل الخلافات لم ينتهِ إلى اليوم، وبعد عامين، تقريباً، من تأسيس تجمع الوحدة الوطنية، لم يستطع أهل الفاتح، بعد، فهم الرؤية التي تتجه إليها (جمعية) تجمع الوحدة الوطنية، ولم يتضح له البرنامج السياسي الذي أعلنت عنه (الجمعية) و(تعمل) على تنفيذه.يشعر تيار الفاتح بصدمة وألم بسبب النشاط المتواضع لـ(جمعية) الوحدة الوطنية الذي لا يمثل طموحه ولا يحقق غاياته، فقد أهدرت (الجمعية) فرصة تاريخية لا تمر إلا كما يمر (مذنب هالي) لتمثيل تيار الفاتح غير المُمَثّل وغير المُعَبر عن حقيقته وجوهره! وهذه الفرصة المهدرة تمثلت في تفريط (الجمعية) بركيزتين أساسيتين لم تستثمرهما حق الاستثمار:الركيزة الأولى هي التعبير عن الهوية الوطنية لتيار الفاتح الذي لم يتأسس باعتباره تياراً سنياً يواجه تياراً شيعياً، بل هو تيار وطني يضم غالبية سنية ويمثل يهود البحرين ومسيحييها وبهرتها، كما إن نسبة الشيعة المسجلين في عضوية (جمعية) التجمع، استناداً إلى بعض المعلومات، تصل إلى 20% من نسبة أعضاء الجمعية، والتكوين الأيديولوجي لـ(جمعية) التجمع تكوين متعدد منه الإسلامي واليساري القومي والليبرالي وغير المؤدلج، وهذا التشكيل المتعدد يعكس تمثيلاً حقيقياً للمزاج البحريني متعدد الأطياف، لكن (الجمعية) بأنشطتها ودوائرها وأجهزتها وخطابها لم تتمكن من التعبير، خارج الأرقام والسجلات، عن هذه المكونات التي تعكس حالة وطنية يستوجب تعزيزها لأنها تُشعر كافة مكونات الشعب بالاطمئنان وتجعل منها عنصراً جاذباً للالتفاف حولها والاحتماء بها ضد التهديد الحقيقي الذي يهدد البحرين وهو هوية الدولة المدنية. الركيزة الثانية هي: تنظيم تيار الفاتح، وهو تيار مشتت ضعيف التنظيم قليل الخبرة في مجال التنظيم السياسي والاجتماعي، يفتقد إلى القيادات الواعية والمنظمة، رغم وجود عناصرها، والعمل على تعزيز هذه الركيزة ليس بالسهل أبداً، إنه يحتاج لبرنامج عمل محكم وطويل ومتفرع، إنه مشروع بناء التيار، وهذا يحتاج من (قيادات) التجمع الانخراط في المناطق السكنية لهذا التيار متعدد النسيج، وسبر احتياجاته ومشكلاته ودراسة حلولها وبدائلها، وإيجاد وسائل لربط مناطقه المتباعدة، وتعيين ممثلين لـ(الجمعية) في كافة المناطق، وتدريب قيادات شبابية جديدة على العمل السياسي المنظم تكون صفوفاً ثانية وثالثة لتيار الفاتح وتسد ثغرات غيابه عن العديد من المواقع الرسمية والدولية التي إما هي فارغة منه أو شبه فارغة. لقد تقدمت خبرات عديدة من الفاتح لتضع إمكاناتها في خدمة التجمع، مازلنا نذكر مئات الأطباء والقانونيين والاستراتيجيين الذين كانت تضج بهم أروقة الجمعية الإسلامية بعراد، أين ذهبوا؟ كيف انفضوا عن (الجمعية)؟ ومن المسؤول عن التفريط في استثمار عطائهم لخدمة تيار الفاتح؟ وماهي خطة (الجمعية) لاستعادتهم وتفعيل دورهم؟أذكر هنا تجربة تستحق المتابعة وهي تجربة تأسيس (التيار الشعبي) بمصر التي تقودها شخصيات وطنية بقيادة حمدين صباحي، جاءت فكرة (التيار الشعبي) حلاً مقترحاً للنتائج التي أفرزها صندوق الاقتراع الرئاسي في مصر، والذي، يرى طيف من مثقفي مصر، أنه أثبت أن قطاع الشعب المصري (المنظم) يقع تحت تأثير قوى الهيمنة التقليدية عليه وهي القوى الإسلامية والقوى الرأسمالية، أما القطاع (غير المنظم) فهو القطاع الوطني الذي أثبت صندوق الاقتراع أنه القطاع الأكبر عدداً ولكنه مشتت وغير منظم لذلك لم يستطع التعبير عن نفسه وتحقيق أهدافه في الانتخابات الرئاسية، ومن هنا جاءت مبادرة (التيار الشعبي) لتنظيم الصفوف الوطنية وتثقيفها بالمعايير الوطنية في الخيار السياسي خارج استقطاب الأوراق النقدية وأكياس السكر والرز، تجربة كهذه تستحق من (قيادات) التجمع التأمل فيها ووضع مقاربات مناسبة لها في البحرين.تفريط (جمعية) تجمع الوحدة الوطنية في الركيزتين السابقتين جعل (الجمعية) بعيدة عن المواطنين واحتياجاتهم وهمومهم، بعيدة عن تبني قضاياهم، فتجمع الفاتح يضج بالقضايا التي تعجز جمعية سياسية واحدة عن استيعابها، فأين (جمعية) تجمع الوحدة الوطنية من قضايا البطالة ونسبها وأشكالها؟ وأين هي عن قضايا الفصل التعسفي التي تضج بها الجرائد هذه الأيام؟ أين هي عن قضايا تعويضات الأحداث الأمنية التي تضرر منها العديد من أبناء الفاتح وضلت بهم السبل لا يعرفون من يعوضهم وكيف يصلون إليه؟ أين (الجمعية) من قضايا الفساد المالي والإداري التي توشك أن توقف عجلة التنمية في البحرين؟ أين.. الخ.تتعلل (قيادات) (الجمعية) دائماً أن جهات عدة تحاربها وتعوق عملها، ونحن إذ ندرك أن ثمة جهات تحارب التجمع من حيث مبدأه ولحساباتها الشخصية، إلا أن هذا لا يفسر حالة الشلل شبه الرباعي لدوائر التجمع!!، ويبدو أن (جمعية) تجمع الوحدة الوطنية تترنح الآن بين واقعين تمثلهما (الرمزية) و(القيادة)، ونخشى أن يكون كل هم (قيادات) (الجمعية) أن يبقوا في حالة (الرمزية)، فيفقدوا زمام المبادرة في قيادة تيار وطني يصنع مشروعاً وبرامج ورؤية، ويبتعدوا أكثر عن مخالطة الناس، إلا من زيارة المجالس والديوانيات، ويتقاعسوا عن تبني قضايا المواطنين ومتابعتها والمساهمة في حلها، وهذه النتيجة يرفضها تجمع أهل الفاتح الذي صار يعبر عن رفضه بقلة الاستجابة لدعوات (الجمعية)، إن السلبية في تلبية الدعوات هي نتيجة وليست سبباً ومعوقاً يا جمعيات الفاتح، عندما يشعر المواطنون أن الجمعيات السياسية لا تمثلهم خير تمثيل بتحقيق أهدافهم (هم) وتلبية احتياجاتهم (هم)، عندما يشعرون أنهم صاروا أرقاماً تشبه عدد (الفولورز) لحسابات التويتر فإن السلبية هي النتيجة المتوقعة.لقد تحولت (جمعية) تجمع الوحدة الوطنية إلى جمعية عادية من جمعيات الفاتح، تغيب حين يحتاجها الناس، وتكتفي بالبيانات والخطب والشجب والإدانة والمطالبة دون حراك، لكن (جمعية) تجمع الوحدة الوطنية لم تولد كما ولدت باقي الجمعيات السياسية في البحرين، فلم تجتمع (قياداتها) للتفكير والبحث والمناقشة في مسألة تشكيل الجمعية، ثم التحق بها الأعضاء لتسجيل العضوية، الأمر بالعكس، فقد أسس 300 ألف مواطن بحريني (التجمع) ثم التحقت بهم (القيادات)، واختلفت وتخالفت ولم تؤسس التيار بعد! لهذا فإن التفريط في تجمع الوحدة الوطنية مسؤولية تاريخية سيسجلها التاريخ، وعلى (القيادات) تحمل مسؤوليتهم في تفعيل حراك الفاتح وقيادة تياره، فإن الأزمة البحرينية لم تنته بعد، والأطراف الداخلية والخارجية المؤثرة والفاعلة في القضية مازالت نشطة ومازالت تعمل، وإذا اتجهت (القيادات) نحو المواطنين فستجد فيهم المحتاج الذي سيتعلق بها، وصاحب الخبرة الذي سيخدمها، والإيجابي الذي سيبادر فيعزز موقعها، وستعمل وتنجز برغم وجود السلبي الذي ينتقدها والمتربص الذي يحاربها.
Opinion
لا تلوموا إلا أنفسكم يا تجمع الوحدة الوطنية
17 نوفمبر 2012