خلال القرن التاسع عشر سيطرت القوى الغربية على منطقة الخليج العربي وشعوبها بالاستعمار العسكري المباشر الذي عاناه الأجداد في المنطقة كثيراً. هذا النوع من الاستعمار انتهى بلارجعة في العام 1971 عندما نالت آخر بلدان الخليج استقلالها من المستعمر البريطاني. هل انتهى الاستعمار بعد ذلك؟طبعاً كلا، فالاستعمار استمر واتخذ أشكالاً أخرى تمثلت في الحصول على تسهيلات عسكرية واقتصادية ـ استثمارية في بلدان مجلس التعاون الخليجي. فجميع دول المجلس تقدم تسهيلات عسكرية للغرب سواءً كانت قواعد عسكرية أو السماح باستخدام أجوائها البرية والبحرية والجوية للأغراض العسكرية، فضلاً عن اتفاقيات الدفاع المشترك بين دول المجلس من جهة والقوى العظمى والكبرى من جهة أخرى. ذروة الاستعمار الجديد تمثل فيما أسفرت عنه حرب تحرير الكويت في العام 1991 عندما استعانت دول المجلس بالجيوش الغربية لتحرير أراضي الكويت وحمايتها من الخطر العراقي القائم آنذاك. الغرب أدرك جيداً صعوبة استمرار هذا النوع من الاستعمار، خاصة في ظل تصاعد التيارات المتطرفة التي آمنت بضرورة تحرير دول مجلس التعاون الخليجي من «المشركين» الذين يُقصد بهم القوات الغربية في الخليج، وتعرّضت لاحقاً لهجمات إرهابية راح ضحيتها الكثير بشرياً ومادياً. لذلك صار التحدي هو كيفية ضمان استمرار الاستعمار والسيطرة الغربية على دول مجلس التعاون الخليجي دون تواجد عسكري مباشر بناءً على تجربة التسعينات غير الناجحة. الخيارات أمام الغرب حينها كانت متعددة لتحقيق هذا الهدف، ولكن الأهم منها تركز في وسائل الإعلام بعد التجربة الناجحة مطلع التسعينات عندما غزت (سي إن إن) المجتمعات الخليجية لتغطية حرب الخليج الثانية، وكذلك التجربة الناجحة الأخرى بعد دخول الإنترنت مجتمعات الخليج بداية النصف الثاني من التسعينات (1996 ـ 1997). الفكرة من الإعلام هي استلاب حكومات الخليج القدرة في التحكم والسيطرة على اتجاهات الرأي العام، وهي الفكرة التي يحصد الغرب نتائجها اليوم بعد انتشار شبكات التواصل الاجتماعي، بحيث يمكن السيطرة على اتجاهات الرأي العام الخليجي من جهاز حاسب آلي واحد في هونولولو أو مهابلشوار الهندية مثلاً. أما الخيار الثاني للاستعمار الغربي الجديد فتمثلت في تفعيل أدوار مؤسسات المجتمع المدني الغربية والدولية التي صارت تمارس أدواراً تنافس أدوار الدول. هذه المؤسسات لم تأت إلى الخليج لنشر الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان بقدر ما جاءت لتحقيق الأجندة الغربية في المنطقة، فالظاهر هو الدفاع عن الحريات والحقوق والديمقراطية، ولكن غير المعلن هو السيطرة التدريجية على مجتمعات المنطقة. فلو كان هدف هذه المؤسسات الحقيقي دعم الديمقراطية لنالت البحرين أكبر إشادة من هذه المؤسسات عندما أقرّت التعديلات الدستورية التي لم تشهد دولة في العالم تعديلات تماثلها، حيث تلجأ دول العالم عادة لتعديل دساتيرها بمادة أو مادتين، وليس بأكثر من 20 مادة دستورية كما فعلت البحرين بناءً على طلب السلطة التشريعية. لذلك لا نستغرب تماماً ما جاءت في تصريحات وزير الداخلية خلال اجتماع وزراء الداخلية بدول مجلس التعاون الخليجي عندما أشار صراحة إلى أن دول المجلس تعاني من استعمار جديد من خلال المنظمات الغربية والدولية.
Opinion
استعمار الخليج بالمنظمات الحقوقية
22 نوفمبر 2012