صدمني أحدهم في محل بأحد المجمعات، حينما التقطت أذني حديثه مع صديق صادفه. سأله صديقه عما يفعله هنا لوحده، فأجابه بأنه ليس لوحده إذ خارج المحل تقف «نعجته» تنتظره!التفت خارج المحل لأرى النعجة، وإذا به يقصد زوجته!هذا موقف حقيقي يعبر عن كارثة حقيقة مازالت موجودة على أرض الواقع، حينما يرى بعض الرجال أن النساء وجدن ليتم التعامل معهن كما «العبيد»، ولن أقول «الخدم»، إذ حتى الخدم يفترض أن يعاملوا بأسلوب إنساني لا تحقير ولا استصغار فيه.المشكلة أن هذه القناعة وأعني بها النظرة الدونية للنساء الصادرة من قبل الرجل الشرقي في البلاد العربية منتشرة بشكل كبير في الأوساط الغربية، بحيث يستغرب أي غربي من كلامك إن حاولت إقناعه أن هذه التصرفات تتجه للانقراض وأنها تصدر عن فئات محدودة ولا يمكن تعميمها. والله يستغربون إن قلت لهم بأن الدول العربية فيها الآن وزيرات وبرلمانيات وسيدات أعمال وفتيات يتفوقن على الرجال في شتى المجالات، حتى في البيوت والحياة الزوجية المرأة نظير متكافئ مع الرجل أو يتفوق عليها في الاهتمام بهذا «العش» الاجتماعي.الكارثة ليست في المرأة بل في مثل هذه العقليات الرجالية التي لا يمكن وصفهـا إلا بـ «التخلــف»، إذ باتت المطالبات لهؤلاء فقط بأن يبدأوا أقلها باحترام المرأة ومنحها حق الاحترام الذي تستحقه وإيقاف كل صور التسلط والإساءات والحط من قدرها، أقلها أن يستوعبوا أنها كائن بشري له كرامة لا يجوز الدوس عليها.هذه قصة ثلاث سيدات تجمعهن صداقة، أمريكية ويابانية وعربية، يجتمعن عادة كل صباح لدى إحداهن ليناقشن أمورهن الحياتية، وفي أحد الأيام قررن إعلان التمرد، بحيث تذهب كل واحدة إلى زوجها وتخبره بأنه منذ اليوم عليه أن يشاركها في الأعمال المنزلية، بحيث يقوم بغسل الأواني والملابس وإطعام الأطفال وتنظيف الغرف ودورات المياه والذهاب للسوبرماركت لشراء حاجيات المنزل، على أن يستعرضن النتائج بعد خمسة أيام.بعد خمسة أيام، التقين على الوعد، بدأت الأمريكية بالحديث وقالت إن زوجها امتعض واستاء في بادئ الأمر، في اليوم الأول لم تلحظ أي تغيير، وكذلك الحال في اليوم الثاني، لكن في اليوم الثالث بدأ زوجها ترتيب المنزل والخروج لشراء الحاجيات والمشاركة في كل شيء، النتيجة كانت رائعة بحسب وصفها.اليابانية لم تختلف قصتها كثيراً رغم أن زوجها اقتنع بضرورة مشاركتها مسؤولية المنزل منذ اليوم الثاني، بل شكر زوجته على حالة التمرد لأنه شعر بأنه ظلمها كثيراً بوضع كل حمل المنزل وتصريف شؤونه على كاهلها بحجة أنه مشغول في العمل أو مع أصحابه.جاء دور المرأة العربية التي قالت بأنها دخلت بقوة على زوجها، وبخته وعنفته على جلوسه كالطاووس لا يفعل شيئاً إلا الأكل وتصدير الأوامر، وأنها طالبته بمشاركتها في أعباء المنزل وأنها ستدافع عن حقوقها هذه ولن تسكت. سألتها الأمريكية واليابانية بلهفة: ماذا حصل بعد هذا الكلام القوي؟! أجابت: في اليوم الأول لم أرَ شيئاً، وفي اليوم الثاني لم أرَ شيئاً أيضاً، وكذلك في اليوم الثالث، لكن في اليوم الرابع بدأت أرى قليلاً من عيني اليسرى!يا للهول، يبدو أنها نفس المرأة التي كانت واقفة خارج المحل والتي وصفها زوجها بـ «النعجة»!زبدة القول هنا، من مازال يملك هذه العقليات المتخلفة من الرجال عليه أن يدرك أن المرأة هي نصف المجتمع، هي إنسانة لها كيان يجب أن يحترم، لا يجوز الانتقاص من مكانتها أو تحقير شأنها، كثير من النساء تفوقن على الرجال، زمن الجاهلية و»وأد» البنات انتهى، ولو طبقنا نفس المعايير على الجميع اليوم لوجدنا أن من يستحق «الوأد» هم من ينظرون للمرأة بهذه النظرة الدونية والذين يتعاملون معها بأسلوب والله لو عاملوا النعاج بمثله لنطحوهم حتى أسقطوهم على رؤوسهم.
Opinion
حينما ألتفت لأرى تلك «النعجة»!
20 مارس 2013