إن بالإمكان المحاججة بأن المشهد في شبه الجزيرة الكورية مشهد كامن على ضفاف الخليج العربي. فقد ألغت «بيونغ يانغ» هدنة الحرب الكورية، واتفاقات عدم الاعتداء التي وقعتها مع كوريا الجنوبية، ثم قطعت جميع الخطوط الساخنة عبر الحدود، وأعلنت أنها فى «حالة حرب» مع جارتها الجنوبية. بل إن زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون أصدر أوامره بعمل الاستعدادات اللازمة لتوجيه ضربات صاروخية تجاه الأراضي الأمريكية. فما الذي يمنع طهران من القيام بذلك بناء على مناورة حافة الهاوية التي تمارسها دائماً! خصوصاً أن حكومة طهران تشعر بثقل فشلها في محادثاتها مع «5+1» وهي مقبلة على انتخابات في يونيو المقبل. مما يجعلنا بحاجة ملحة لإعادة النظر بالبيئة الأمنية العالمية في شموليتها بعيون خليجية، عسى أن ندرك أنماط الاستجابة الأمريكية هناك وما يمكن أن تقوم به المظلة الأمنية الأمريكية هنا، بحكم أن واشنطن هي حليفنا الاستراتيجي ضد الطموح الإيراني، إضافة إلى أن ملة طهران وبيونغ يانغ النووية واحدة. ولا يمكن لمتابع أن يتجاهل التهديد الكوري الشمالي بشن ضربات ضد الأراضي الأمريكية من خلال صواريخها الباليستية بسبب الانقلاب الذي سيحدثه في المشهد الاستراتيجي.بل إن التهديد نفسه يكفي لتعكير صفو الأمن الدولي لما يتبعه من آثار اقتصادية وسياسية. مما يقلل من منهج «التبخيس» الذي اعتمده بعض المحللين كالقول إن «بيونغ يانغ اعتادت على نفس التهديدات ضد كوريا الجنوبية والولايات المتحدة كلما وصل إلى الحكم رئيس جديد». بينما ذهب البعض الآخر إلى القول إن «التهديدات لا تعدو أن تكون تعبيراً عن رغبة كوريا الشمالية في إبرام معاهدة سلام مع الولايات المتحدة». وهنا نشير إلى أن العالم يساوره شك يصل إلى حد اليقين في أن ما يجري في شبه الجزيرة الكورية يتعدى وصول «بارك جيون هاي» رئيسة جديدة في سيؤول أو لعقد اتفاقية سلام. وأن له علاقة بما تقوم به إيران على ضفاف الخليج العربي، ويصل حد لعبة تبادل الأدوار. فلو تجاوزنا تحريض نائب رئيس الأركان في الجيش الإيراني الجنرال مسعود جزائري لكوريا الشمالية بالمضي قدماً في مشروعها النووي لوجدنا أن الأزمة في شرق آسيا تخيم بظلالها على محادثات إيران مع مجموعة 5+1. كما إن من المعروف أن هناك تعاوناً في المجال الصاروخي والنووي. وكان من نتائج هذا التعاون التشابه الكبير إلى حد التطابق بين الصاروخ الإيراني «شهاب» والصاروخ الكوري الشمالى «نيبودونغ».فهل من المصادفة أن يكون صاروخ كوريا الشمالية «تيبودونغ 2» هو نفسه صاروخ «سفير 2» من عائلة «شهاب»؟! وهل من المصادفة أيضاً أن استخدم الصاروخان كما تدعي العاصمتان «المارقتان» في الوصف الأمريكي لوضع قمر صناعي للاستخدامات المدنية في المدار الفضائي لمراقبة الأرض، بالرغم من أن المراقبين يعلمون أن وضع قمر في مدار خارج الأرض هو ذريعة لاختبار الصواريخ الباليستية بعيدة المدى؟!إن ما يقلق المراقب الخليجي هو أن موقف الولايات المتحدة من التهديدات الكورية الشمالية يهدم العمق في مشروعهم الدفاعي عن الخليج العربي. فالطموحات النووية لكوريا الشمالية تظهر وقد سبقت وتجاوزت بخطوات عدة خطوات إدارة أوباما. فكيف نعول على واشنطن ومجنون كوريا الشمالية «الطفل» غريب الأطوار كيم جونغ أون إذا امتلك بالفعل قنبلة نووية؟ فماذا ستفعل واشنطن و»الكهل» الإيراني يسير وسط ضجيج الاعتراضات الدولية حاملاً بثقة شيوخ الفرس من أجل برنامجه النووي. لقد طبقت واشنطن عقيدة الانكفاء حيث تم نشر نظام الدفاع الصاروخي على ارتفاع عال «THAAD» في خط الدفاع الأمريكي التقليدي وهو جزيرة «غوام Guam» في المحيط الهادي قرب هاواي.كما نشرت مزيداً من صواريخ «باتريوتPAC3»، في ألاسكا وحول قاعدة فاندنبرج في ولاية كاليفورنيا لمواجهة نفس التهديد. مما يدل على توجس وزير دفاعها المثير للجدل تشاك هيغل من قدرة الصواريخ الكورية الشمالية وإلا لوضع خطوط التماس مع بيونغ يانغ في اليابان وكوريا الجنوبية، وجعل جزيرة «غوام» الخط الذي لا تراجع بعده. ولنصل إلى المحصلات التي تفضي لها هذه الجدلية، نشير إلى أن نظام الدفاع الصاروخي على ارتفاع عال «THAAD» هو ضمن جهد الدفاع الجوي في دولة الإمارات العربية المتحدة. فيما ينتشر «باتريوت PAC3» في معظم دول الخليج. فهل حسمت واشنطن أمرها، وحققت أسوأ هواجسنا في أن تصبح دول الخليج هي خطوط التماس مع إيران بينما تكون تل أبيب هي الخط الذي لا تراجع بعده!لقد وسعت مواقف واشنطن خلال المواجهة مع بيونغ يانغ من مساحة عدم التيقن وركزت العيون على حقيقة المظلة الأمنية الأمريكية، فكيف ظهرت الولايات المتحدة مرتبكة ومنكفئة إلى هذا الحد أمام دولة تقبع في قاع سلم دول العالم الثالث! بالرغم من الشجب الروسي والصيني لموقف كوريا الشمالية، وكيف كانت ستبدو أنماط الاستجابة الأمريكية لو كان لموسكو وبكين موقف مساند لكوريا الشمالية. وهو نفس الموقف الذي تبديانه حالياً لطهران! المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج