لاشك في أن تعيين سمو ولي العهد نائباً أول لرئاسة الوزراء يأتي في إطار مبادرة إيجابية من النظام، تدل على جديته في السير قدماً نحو الإصلاح الحكومي، ولاشك في أن المرحلة العمرية الشابة لولي العهد تجعله مرناً في تقبل كل جديد، ومتحمساً للتطوير والتغيير، كما إن الوعي الذي يتميز به سموه يجعله مدركاً لحركة الواقع في العالم، ولإيقاع الثقافة المتغير من حوله، والبدء بعمليات إصلاحية في الجهاز الحكومي، وهي خطوة في المسار الصحيح لحل الكثير من أزمات الدولة، فما يدور في الحوار من مناقشات، على أهميتها، لا يمكن أن تأتي بنتائج تخدم المواطنين وتحفظ الوطن، إن لم تؤسس وفق بنية تحتية سليمة ومتماسكة هي مؤسسات الدولة.كثير من الإجراءات الإصلاحية نتمنى أن يحملها التعيين الجديد لسمو ولي العهد، أهمها تقوية مؤسسات الدولة وسن القوانين والتشريعات التي تعزز من الرقابة على الأداء الحكومي وتقييمه من أجل ضبط مسارات العمل، وإنهاء عهد التعيينات على أساس الولاء والثقة، وتثبيت عهد التعيين وفق معايير الكفاءة، التي تضع أسُساً معيارية لدراسة المشاريع الحكومية، ومستويات الإنجازات فيها ومتابعتها، وتقييمها منعاً لعمليات الفساد الإداري والمالي، وهدر أموال الدولة التي تفاقمت في السنوات الماضية، ونأمل أن يتم توحيد سياسات مجلس التنمية الاقتصادية مع سياسات مجلس الوزراء أو دمج بعض هيئات مجلس التنمية في مجلس الوزراء حيث بدا الأداء الحكومي السابق مضطرباً، أحياناً، ومزدوجاً بين الجهتين، ونأمل كذلك أن يتم إعادة مراجعة رؤية البحرين 2030، ماذا قدمت في المرحلة السابقة وهل مازالت تصلح لهذه المرحلة؟ وهل أحدثت مشروعات إصلاح سوق العمل إنجازات حقيقية وتغييرات ملموسة أم أن التقارير التي ترفعها الجهات المتابعة لتلك المشاريع بعيدة عن واقع التطبيق؟ نأمل أن يتم إعادة دراسة المجتمع البحريني في ظل الاستقطاب المؤسف الذي خلفته «أحداث 14 فبراير» وعمقته الأعمال الإرهابية اليومية في الشارع، المجتمع البحريني بحاجة إلى صياغة مفاهيم خاصة وجديدة للثقافة الوطينة، وإعادة بعث مشاعر الوحدة الوطنية القائمة على قبول الآخر، وفهمه والتعايش معه، وإدراك المصير المشترك، وأظن أن الدور الأكبر في تحقيق تلك الغاية ستتحمله وزارتا التربية والتعليم والثقافة، بالإضافة إلى هيئة الإعلام، ولا نتحدث عن فعاليات دعائية واحتفالية، ولكن نتحدث عن معالجات إجرائية وعميقة، تتغلغل إلى وعي المواطن وكيانه وتُزرع في جينات الأجيال المقبلة.هذه الآمال بالإصلاح الحكومي شاركتنا فيها «الوفاق» في بيانها الذي أصدرته بمناسبة تعيين سمو ولي العهد نائباً أول لمجلس الوزراء، ثم استدركته بعد يومين بأن تعيين سموه «ليس ضامنا لذلك الإصلاح»، وأياً كانت آمال «الوفاق»، فإنها ليست جهة صادقة في المطالب الإصلاحية، إذ طالما اعتادت «الوفاق» على الخطاب المزدوج وحمل تفاحتين في يدين، فمن جهة، قدمت «الوفاق» مقترحاً للمحاصصة في التشكيل الحكومي وهو ما يعمق الاستقطاب ويرسخه ويفتت مؤسسات الدولة، ومن جهة ثانية، تقدم مطالبها الإصلاحية تحت ضغط نيران الشوارع وأعمال الإرهاب وخطاب عيسى قاسم التصعيدي، ومن جهة ثالثة فإن خطاب المعارضة في الداخل والخارج يناقش عدد المسؤولين الشيعة في الحكومة بالنسبة للسنة وقضايا العاطلين الشيعة دون السنة والمفصولين الشيعة، بمعزل عن أسباب الفصل، وبمعزل عن المفصولين من أية طائفة أخرى!مطالب الإصلاح الحقيقية يجب أن تنطلق من وعي حقيقي بواقع الحال البحريني، ويجب أن تمتد إلى إدراك مسؤول لمآل الأمور وعواقبها، ويصعب المضي في عملية الإصلاح دون معالجة الثقافة البحرينية وتقوية مؤسسات الدولة وحمايتها بمنظومة قوانين صارمة، تحميها من الاستقطاب والاختراق والفساد، فعلى سبيل المثال، إن مطالب الحكومة المنتخبة والبرلمان كامل الصلاحيات لن يحقق آمال الشعب البحريني في الوصول إلى المملكة الدستورية، إن لم تكن خيارات المواطن قائمة على المفاضلة بين البرامج الانتخابية وبين كفاءة المترشحين بدل الخيارات الحالية القائمة على الانحيازات المذهبية والقبلية والجهوية، فثمة فرق كبير وجوهري بين أن تقوم الانتخابات وفق إجراءت حكومية حرة ونزيهة، وبين أن تكون خيارات الموطن حرة من أي توجيه خارجي ومتحررة من أي انحياز ذاتي، واسألوا منافسي «الوفاق»، ومن حلفائها تحديداً، في الانتخابات البرلمانية عن فتاوى التكفير وبيانات التشهير والقوائم الإيمانية و...!! نسأل الله سبحانه وتعالى أن يُعين ولي العهد على التكليف الجسيم الذي امتحن به في مرحلة تاريخية حرجة من تاريخ البحرين، وأن يكون أهلاً للثقة التي أولاها إياه جلالة الملك وشعب البحرين، وأن يكون خير معين وخير مستشار لسمو رئيس الوزراء في إدارة الدولة، وأن يكون تعيينه نائباً أول لمجلس الوزراء عهداً حكومياً جديداً يقوم على ترسيخ الثقافة البحرينية الأصيلة، وعلى توسعة المشاركة الشعبية الفاعلة والكفُؤَة في الحكم، تمهيداً لخطوات الإصلاح السياسي التي هي قادمة لا محالة.