في الوقت الذي تبذل فيه الدولة كل طاقتها للظفر بالاستثمارات الأجنبية بغية تقوية الاقتصاد وتوفير فرص عمل، يبذل آخرون كل طاقتهم لتهريبها والضغط على المستثمرين وتخويفهم كي يستثمروا أموالهم في دول أخرى بعيدة أو قريبة. مفارقة عجيبة يصعب على المرء فهمها واستيعابها. ولعل المثال الأوضح في هذا الخصوص سباق «الفورمولا 1» الذي لا يختلف اثنان على ما يشكله من أهمية اقتصادية تجعل دول العالم جميعها تسعى وراء تنظيمه لديها، ولعل التصريح الأبرز من «المعارضة» الذي عبر عن أهمية هذا السباق ودوره في الاقتصاد وتعزيزه هو ما أدلى به النائب الوفاقي والخبير الاقتصادي الدكتور جاسم حسين، عندما زار حلبة السباق العام الماضي، وقال «إن إقامة السباق في البحرين خطوة في المسار الصحيح، وإن جميع أهل البحرين سعداء بإقامة «الفورمولا 1» على أرضهم مرة أخرى» وأكد أنه «لا بد أن تعترض السباق بعض العقبات لوجود من لا يريد إقامة السباق لأسباب سياسية علماً أن الحدث اقتصادي ولا دخل له بالسياسة». جمعية «الوفاق» نأت بنفسها عن تصريحات حسين القيادي فيها واعتبرت زيارته للحلبة وتصريحاته تصرفاً شخصياً، أما الجمهور فانقسم إزاء تلك التصريحات إلى فريقين، الأول اعتبرها إشارة طيبة من «الوفاق» ورأى أنها انتبهت أخيراً إلى أهمية التفريق بين السياسة والاقتصاد، وأنها عبرت عبر تصريحات حسين عن تقديرها للدور الذي تمارسه الدولة لتعزيز الاقتصاد، والثاني اعتبرها تراجعاً من «الوفاق» و»خيانة» حيث المطلوب من مختلف الجمعيات السياسية في نظر هذا الفريق تخريب الاقتصاد وضربه كي يسقط النظام!المؤسف أن آخر من «المعارضة» لم يتجرأ ويزور حلبة السباق العام الماضي، ليعزز من تصريحات الدكتور حسين، والأكيد أن أحداً لن يتجرأ ويزورها هذا العام، ويدلي بتصريح إيجابي كذلك التصريح، وربما لن تسمح «الوفاق» لحسين هذه المرة بزيارة الحلبة، وإن سمحت له فلن تسمح له بالتصريح لوسائل الإعلام، وإن حدث وزار الحلبة وصرح تصريحاً إيجابياً غصباً عن «الوفاق» فستتبرأ منه، وكذلك سيفعل ذلك الجمهور الذي أدخلوا في رأسه فكرة أنه ينبغي تخريب البلاد كي يتمكنوا هم من بنائها!إن ما ينبغي أن يعلمه الجميع هو أن «هذا الحدث تتوجه إليه أنظار المجتمع الدولي» وأنه «مجال يحقق الكثير من العائدات للمملكة ليس على الصعيد الرياضي فقط، وإنما الاقتصادي والاستثماري والإعلامي»، وأن «نجاح السباق نجاح للبحرين وشعبها»، وأن «هذا السباق أهم من مجرد حدث رياضي عالمي ويجب ألا يستغل لأي أغراض سياسية قد تؤثر سلباً على هذا التجمع العالمي الكبير»، وأنه «يجب أن نوحد جهودنا لخدمة البحرين التي يجب أن تكون الفائز الأول في تنظيم هذا الحدث العالمي». تلك كانت تصريحات سمو ولي العهد - الذي أسس جائزة البحرين الكبرى قبل عشر سنوات - خلال زيارته لحلبة السباق العام الماضي، فهو يهتم بهذا السباق لعوائده الاقتصادية والاستثمارية والإعلامية ولأنه في خاتمة المطاف انتصار للبحرين. نظرة عاقلة لتصريحات الوفاقي جاسم حسين في زيارته لحلبة السباق العام الماضي، يتبين معها توافقها مع نظرة سمو ولي العهد، حيث أكدا أن هذا الحدث اقتصادي ويخدم البحرين وينبغي ألا يستغل لأغراض سياسية. للأسف فإن المتوقع هذا العام هو أن يكرر أولئك الذين لا يدركون أو لا يريدون أن يدركوا أهمية سباق «الفورمولا 1» للاقتصاد البحريني ما فعلوه في العامين السابقين، فينثروا ما في دواخلهم من حقد في الشوارع ليراه الناس دخاناً أسود، ينبعث من إطارات عمدوا إلى تحويل وظيفتها، فصارت بدل أن تتقدم بمستعمليها تتأخر بهم، معتقدين أنهم بذلك ينتصرون للبحرين التي لا تستحق أن يفعلوا بها كل هذا.