عندما كنت في الصف الثاني تحضيري، يسمى الآن الثاني ابتدائي، عام 1957، وفي مدرسة الشمالية التحضيرية في بيت النافع، قريباً من بيت الحمر، الذي منهم مدير مدرسة الثانوية الأستاذ الراحل عبدالملك الحمر، والدكتور فيصل الحمر الذي كان مسؤولاً عني حينما كنت موظفاً في مختبر السلمانية والأستاذ نبيل الحمر؛ حينما أسست تحت ظل رئاسته في جريدة الأيام، القسم الثقافي مع الزملاء الراحل محمد البنكي والكاتب أحمد جمعة والدكتور علوي الهاشمي والروائي فريد رمضان.في مدرسة بيت النافع، وفي الصف الثاني، في الواقع لا يوجد فيها أكثر من صفين، وكانت تحت إدارة الراحل الأستاذ علي تقي، ولأننا نملك طاقة شيطانية، فقد كنا نساهم في كل شيء، ولأنني أحب الرسم، وبالذات رسم الأكواخ والنخيل والوجوه الغاضبة أو المرحة، اشتركت في جمعية الأشغال. لم أشترك في جمعية الرسم لأنها تحتاج إلى ألوان، والألوان تحتاج إلى نقود، وأنا لا أستطيع أن أوفر النقود لشراء ألوان، فقد كانت لقمة الخبز وصفرية الباجلا (الفول) أكثر أهمية من علبة الألوان.في جمعية الأشغال تعلمت كيفية صناعة الورود من الأوراق التي كنا نصنع بها الساحرات (الطيارات الورقية)، لكن حب الرسم والحسرة على عدم اشتراكي في جمعية الرسم لم يفارقني لمدة طويلة.بعد حوالي عشر سنوات بدأت العمل في مختبر مستشفى السلمانية، ومباشرة باستلامي أول راتب ذهبت وقمت بشراء أكثر من علبة ألوان وبدأت برسم بعض اللوحات، لكن الرغبة القديمة التي كانت مشتعلة في عمر الثامنة لم تعد كذلك في عمر الثامنة عشر.قبل فترة عرفت سبب عدم تمكني من مواصلة الرسم؛ حيث يقول علماء النفس إنه إن كان لديك مشكلة في طفولتك كأن تكون قد حلمت بدراجة هوائية ولم تحصل عليها مثلاً، قد تكون تشكلت عندك عقدة حرمان، ولن يعالجها شراء عشر دراجات عندما تكبر. العلاج هو أن تشتري دراجة هوائية لطفل صغير، وعندما ترى سعادة هذا الطفل ستنحل عقدتك.إن عقدة الرسم التي عشتها كان لها أن تجد الحل لو أنني قمت بشراء علبة ألوان وأهديتها إلى طفل يحتاج إليها، ومن الممكن أن تكون له عوناً في مسيرته في الرسم، يقول الله تعالى (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلامٍ للعبيد) فلنتذكر أننا نحسن إلى أنفسنا عندما نحسن للآخرين وأننا إنما نسيء إلى أنفسنا أيضاً عندما نسيء للآخرين، ولا تظن أن الحسنات والسيئات مجرد أرقام في سجل خفي ليس له أي انعكاس على حياتنا هذه.الآن علينا أن نعي إننا إذا لم نتمكن من تحقيق أحد أحلام طفولتنا، فإن هناك عائقاً كان أمامنا، وليس شرطاً أن نحقق كل صغيرة وكبيرة تخيلناها ونحن نلعب في ساحات الطفولة. بل إن هناك شخصاً سيحقق ما حلمنا به.لذلك أرى ضرورة أن نساعد من يحتاج إلى مساعدتنا للمضي في العمل على تحقيق حلمه الطفولي. إذا شاهدت طفلاً مولعاً بأي نوع من الفنون أو الألعاب أو الاختراعات الهادفة، ساعده مباشرة دون أن تناقشه، لأنه لا يعرف أن يناقش شيئاً لم تتضح معالمه بعد. قدم له ما تستطيع واتركه يواصل العمل في مشروعه.