في اعتقادي أن الشعوب العربية (غسلتْ) جزءًا بسيطاً من أيديها، وبددت بعض الأمل في بعضٍ من البصيص المنتظر من حكومات وأنظمة الدول الغربية. فنحن عبر نحو قرن من الزمان، وبعد سقوط الخلافة العثمانية، ومجيئ وعد بلفور المشؤوم، وبعد معاهدة (سايكس بيكو) الغادرة، لم نجد من تلك الحكومات الناهبة لخيراتنا سوى المزيد من الوعود الكاذبة والدمار.آخر هذه الوعود تعهد تلك الأنظمة الاستعمارية الغادرة بتغيير الواقع السياسي في الوطن العربي، وذلك عبر إدخال مزايا واستحقاقات جديدة للديمقراطية والتغيير نحو الأفضل، لكن لأن تجربة الأمس القريبة، وبعد سرقة فلسطين وما قبلها من نكوصات غربية فاضحة، لم تعد الشعوب كل الشعوب تثق بكل ما تتعهده دول لم تكن صادقة في يوم من الأيام.إن طعم التغيير لذيذ جداً حتى لو لم نتذوقه، وأن لا شيء أحلى من نسيم الحرية ونقائها وصفائها، لهذا وجدنا كثيراً من منظمات المجتمع المدني وكثيراً من الحكومات يرمون أنفسهم في أحضان الدول المستعمرة مرة أخرى، طمعاً في رضاها، ورجاءً في أن تمدهم بيد العون في سبيل التغيير، دون وعي بطبيعة هذه الأنظمة الاستعمارية التي تريد لنا أن نكون دائماً وأبداً في الصفوف الخلفية بين دول وشعوب العالم.اليوم كما هو بالأمس، تعتقد المنظمات الحقوقية العربية، ومعها كل المتعطشين للتغيير السياسي في وطننا العربي، أن المنظمات الغربية يمكنها فعل ما لم تفعله بلدانها، لهذا فهي تحاول أن ترمي بنفسها من جديد وبطريقة أكثر أدباً في أحضان تلك المنظمات، لكننا نؤمن أن تلك المنظمات، هي جزء لا يتجزأ من التفكير الدولي السائد، فهي في واقع الأمر لا تستطيع أن تلوي عنق حكوماتها بالصورة الساذجة التي نتصورها، فلا صراخها ولا بياناتها ولا إداناتها ولا اجتماعاتها ولا ضغطها اللين يستطيع أن يغيِّر من سياسات الدول الكبرى ومن حرف استراتيجياتها ومصالحها، هذا أصلاً إذا لم تكن تلك المنظمات الحقوقية وغيرها جزءاً خفياً من اللعبة العظمى للدول العظمى.إذا ما أرادت الدول العربية (شعوباً وأنظمة) أن تسعى للتغيير والحريات والتنمية المستدامة ورفع مستوى دخل ووعي الفرد العربي، وإذا ما أرادت أن تكون في صفوف الدول المتقدمة ما عليها سوى أن تغير من قيمها وتفكيرها وعملها وسلوكها من الداخل، عملاً بقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)، فما لم تغيِّر الشعوب والأنظمة العربية من وعيها بأهمية التغيير من الداخل فلا ترتجي أن يغيرها غيرها من الخارج، لهذا عليها أن تساعد نفسها قبل أن تمد يدها إلى الأجنبي كي يساعدها.دول عربية مهلهلة، وشعوب تائهة حائرة، وبين هذا وذاك، فقدنا البوصلة الحقيقية التي تدلنا على المقدمة، فعدنا كما كنَّا في عصور الانحطاط والعصور المتخلفة، رغم حملنا الموبايلات وامتلاء شوارعنا بناطحات السحاب الإسمنتية، وامتلاكنا أحدث أنواع المكياج الفرنسي والحقائب النسوية الإيطالية وربطات العنق الرجالية، إلا أننا ما زلنا في مؤخرة الركب، والسبب في ذلك يعود إلى أننا غير قادرين على التمييز بين الرفاهية السطحية الفارغة، تلك التي نستوردها بأموالنا الغبية من الخارج، وبين القيم الراقية لكل أشكال التطور الحضاري والإنساني والمدني الذي نصنعها بأيدينا، كما صنعها الهنود والصينيون ودول مثل سنغافورا وماليزيا ودول نمور آسيا في هذه المرحلة من تاريخنا الحديث.إذا غسلنا أيدينا من الغرب الاستعماري بقوة الشخصية وبروعة الوجود المستقل، وفي حال نهضنا من الداخل لا من الخارج، سيطرح بعضهم السؤال التالي؛ كيف سنبني علاقاتنا حينئذ مع الغرب؟.. للحديث بقية
Opinion
اغسلوا أيديكم مـــن أحفــــاد بلفــــور «1»
04 ديسمبر 2012