لا اعتراض على قضاء الله وقدره؛ لكن الشاب الشيخ عبدالله بن نزار آل خليفة لم يمت في قلوب من أحبوه وعايشوه لسنوات قضيناها معاً في خدمة هذا الوطن الغالي بكل ما أوتينا من قوة، كنا نعمل إلى أوقات متأخرة دون كلل أو ملل في قطاع الإعلام الخارجي بهيئة شؤون الإعلام بقيادة الشيخ عبدالله بن أحمد آل خليفة، ذلك الرجل الذي استطاع أن يقود دفة ذلك القطاع بكل اقتدار وحنكة مع كوكبة من أبناء البحرين الأوفياء يتقدمهم فقيدنا الغالي، واسمحوا لي أن أتحدث على المستوى الشخصي. كنت من المقربين له في العمل بحكم المهام التي كنا نتشارك في إنجازاها، لم أذكر يوماً أن اختلفنا بل كنا متجانسين متفاهمين في تقاسم المسؤوليات الملقاة على عاتقنا ونحاول جاهدين إنجازاها قبل الوقت المطلوب، رحمه الله كان بشوشاً مرحاً يمازحنا أثناء ذروة العمل حتى يخفف على من يعملون معه الضغوط، ويحاول أن يلطف الأجواء بابتسامته التي لم تفارقه قط طوال الفترة التي عملت بها معه رحمه الله تعالى.لا أخفيكم بأنني عندما علمت بخبر وفاته رحمه الله لم أتمالك نفسي وانفجرت باكياً بلا شعور، مصدوماً من هذا الخبر الذي أفجعنا مع صبيحة يوم فضيل هو يوم الجمعة، حقيقة لا يمكنني أن أوفي صديقي وأخي وزميلي المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ عبدالله بن نزار في مقالي المتواضع أو في بضع كلمات حقه، ولكن شريط الذكريات يعود بي إلى كل لحظة ودقيقة عشناها معاً كجنود مجهولين في خدمة بحريننا التي مهما نفعل لن نوفيها حقها، كان رحمه الله خلال حديثه وتحاوره يتحدث بحرقة عن البحرين في المحافل الداخلية أو الخارجية، بل وكان يستميت في الدفاع عنها، ومن يستمع له يدرك حجم هذا الحب لهذه الأرض، كنا نتبادل الأدوار في هذا الحب والدفاع عن المنجزات التي تحققت في ظل المشروع الإصلاحي الكبير الذي أرسى دعائمه جلالة الملك حفظه الله، عبدالله بن نزار كان مثالاً لنا في الإخلاص في حب الوطن وضرب أروع المثل في ذلك.على الصعيد الشخصي كنا كأصدقاء نلتقي في مجلسه العامر كل ثلاثاء نتسامر ونتجاذب أطراف الحديث في مختلف شؤون الوطن وهمومه وعلى كافة الصعد والمجالات، ورحمه الله كان يتصل بي يحثني على الحضور وعدم التغيب قدر الإمكان وهو ما يعطيني شعوراً بمدى تقديره واحترامه لمن حوله، كما إننا وعدد من شباب الإعلام الخارجي نظمنا رحلة إلى منطقة «النعيرية» البرية في المملكة العربية السعودية الشقيقة والتي لن أنسى تفاصيلها لحظة بلحظة، صورنا مع «بونزار» رحمه الله في هاتفي لن تمحى وستكون شاهدة على تلك الرحلة التي كان هو من دعا لها بل ولزم على الجميع أن يكونوا متواجدين وكأنه يريد أن يوثق شيئاً بيننا خارج وقت العمل الرسمي وحاول أن يجمعنا بعد أن خرج البعض منا من مصنع الرجال وهو «الإعلام الخارجي» كما كان يسميه الشيخ خليفة بن عبدالله آل خليفة وهو خال فقيدنا الراحل والذي تولى دفة هذا القطاع منذ التأسيس والذي كان يعتبره رحمه الله قدوته في العمل بحقل الإعلام المحفوف بالمخاطر والألغام، فلا أحد يستطيع أن يبني مجداً في الإعلام، وما توالي الوزراء والمسؤولين على هذه الوزارة خلال فترة بسيطة من السنوات إلا خير دليل على ذلك، ولكننا متفائلون خيراً ونتمنى أن تستطيع الوزيرة الفاضلة الأستاذة سميرة رجب أن تدير إعلامنا الذي عانى الكثير بكل اقتدار وهي جديرة بذلك فهي ابنة الصحافة والإعلام.في المقبرة وخلال دفن فقيدنا الغالي الذي نسأل الله أن يدخله فسيح جناته كان الحضور يعتصرون ألماً على فراقه المفاجئ وهو في ريعان الشباب، فلا أحد استطاع أن يتمالك نفسه أو أن يخفي دموعه التي كانت تنهمر وتنساب حزناً على رحيله، ولاحظت بعد الانتهاء من الدفن أن المقربين منه من أصدقائه لا يريدون أن يفارقوا قبره حتى أنهم مكثوا فترة من الزمن بعد ذهاب الجميع وكأنهم في قرارة أنفسهم لا يريدون أن يفارقوه رحمه الله، وقفوا يناظرون قبره. نسأل الله أن يكون روضة من رياض الجنة، ما حدث في المقبرة خلال مراسم الدفن وبعدها لن يغيب عن مخيلتي ولن يمحى ما حييت فقد ترسخ في ذاكرتي وطبع بكل تفاصيله، لا نستطيع فعل شيء فهذا قضاء الله وقدره ولا اعتراض عليك سبحانك، ولا يسعنا إلا نطلب من الله في صلاتنا وركوعنا إلا الدعاء لفقيدنا والمغفرة له، وندعو الله أن يصبر أهله وأن يلهمهم السلوان.- همسة..سأقتبس أبياتاً من قصيدة الشيخ أحمد بن عيسى آل خليفة في رثاء فقيدنا الغالي الشيخ عبدالله بن نزار آل خليفة، وهو ما أعتبره إسقاطاً على كل أصدقائه ومن عايشه رحمه الله: من الفجعة لقيت أني وحيد في وسط هالدار .... خبر جاني واتعبني، حزن خيم على الديرة نعوا الغالي عبــدالله وهذي حـــكمة الأقدار ... وهذا حكم خالقنــــا رحل وايديني قصيــــرةمقامك عندنا عالي ولك في قلوبنــا مقدار ... ولا أنسى كثر فزعاتك معي ووقفاتك كــثيرة