هذا هو السؤال الذي يشغل بال الجميع هذه الأيام، فالشاب ذو الستة عشر ربيعاً سقط قتيلاً في مواجهات صباح يوم الرابع عشر من فبراير في قرية الديه برصاص «الشوزن»، وأصدرت النيابة العامة بياناً عن حالته، أكدت فيه أنها لاتزال تحقق في الموضوع، وتم تقديم اثنين من رجال الشرطة كانا متواجدين في المكان للتحقيق. ما قامت به النيابة العامة أمر طبيعي، وكذلك انشغال الجميع بالبحث عن إجابة للسؤال من قتل الشاب، لكن من غير الطبيعي أن تستمر المواجهات ويستمر العنف ويبقى الحال على ما هو عليه، وكأن المشكلة الحاصلة في البحرين ليست في البحرين التي لها من الإسهامات في مسيرة الحضارة الإنسانية الكثير وشعبها على صلة وفيرة بالثقافة والعلم والأخلاق. فيما يخص الشاب الذي فقد حياته سيرمي كل طرف باللوم على الطرف الآخر، ويتهمه بالتسبب في قتله، فالقتيل في مثل هذه الحالات –حسب البعض– ضحية وضع معين وظروف، الحديث فيها يخفف العبء والمسؤولية عن القاتل الذي هو أيضاً حسب ذلك البعض ضحية ظروف وجد نفسه فيها، بمعنى أن لو كان القاتل في ظروف مختلفة لما اضطر إلى إزهاق روح إنسان. عندما قتل الطفل محمد الدرة في فلسطين انقسم الجمهور إلى قسمين، قسم ألقى باللوم على قوات الاحتلال الإسرائيلي التي أطلقت النار عليه، وقسم ألقى باللوم على والده الذي ما كان ينبغي أن يصطحبه معه في ظرف مثل ذلك الظرف، ويعرض حياته للخطر. هذا الانقسام حدث في حالات أخرى عديدة في أماكن عديدة في العالم، وحدث أيضاً عندما جرح طفل صغير كان والده بائع الأسماك قد اصطحبه معه لبيع الأسماك في وقت كانت فيه المواجهات محتدمة بين بعض الشباب والشرطة في قرية الدير. هذا الكلام ليس لتبرير فعل الشرطة، وإن كان لها أسبابها في استعمال السلاح في بعض المواقف، ولكنه لتأكيد القول إن وضعاً كهذا الذي صرنا فيه قابل أن ينتج مثل هذه المآسي الغريبة على هذا الشعب وهذا الوطن الجميلين، فالموت في مثل هذا الوضع لا يختطف شباباً من هذا الطرف دون ذاك، حيث الجميع يكون مؤهلاً له، وكذلك الآخرون ممن هم خارج مساحة المواجهة، ففي وضع كهذا يكون أي فرد قابلاً ليتحول إلى ضحية. نظرة خاطفة إلى الفيديوهات التي يصورها ويبثها أولئك الذين يقطعون الشوارع ويشعلون النار في إطارات السيارات، تبين مقدار الفرص التي تتوفر لملك الموت ليخطف ما يشاء من أرواح المتواجدين في المكان الهدف، فالشرطة -الذين هم بشر أيضاً- يفاجأون بهجمات شرسة يستخدم فيها الشباب المئات من زجاجات المولوتوف الحارقة تنزل فوق رؤوسهم فجأة، وتؤهل كل واحد منهم ليتحول في لحظة إلى ضحية، كما حدث مع الشرطي محمد عاصف في السهلة، الذي فقد حياته نتيجة استخدام مقذوف ناري حارق. هنا أيضاً بإمكان من قتل أو تسبب في قتل الشرطي أن يبرر ويفلسف الأمر، لكن النتيجة في خاتمة المطاف واحدة، وهي أن شباباً من المواطنين أو المقيمين يفقدون حياتهم نتيجة عنف يمارس يعرف الجميع أنه لن يوصل إلى شيء، بل على العكس يزيد من الشرخ، ويوسع الهوة بين أطياف المجتمع البحريني، ويوفر الفرصة لأشكال من العداوة، لتنمو ولتعاني منها الأجيال التالية، الذين لن يجدوا بداً من الاستمرار في نفس الطريق.. غصباً عنهم.مؤلم أن يفقد إنسان حياته بسبب اختلافات يمكن احتواؤها بطرق أخرى بعيدة عن العنف، ومؤلم أكثر أن يصدر ذلك العنف عن أفراد ينتمون إلى مجتمع متعلم راق، هو مجتمع البحرين الذي هو منذ الأزل يستوعب الاختلافات بأنواعها.
Opinion
من قتل الشاب حسين الجزيري؟
19 فبراير 2013