شكوى الأم التي نعرضها اليوم على صدر صفحة (خطابكم وصل) والمتعلقة بطفل بتر أصبعه في المدرسة، ليست سوى نموذج نريد له أن يصل إلى صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر الذي يوصي دائماً بحسن الاهتمام بقضايا الناس، وإلى وزير التربية والتعليم د.ماجد النعيمي، والمدرسة المعنية، فإن كانت الأم قد فشلت في محاولة مقابلة الوزير داخل أسوار الوزارة، فإننا نلعب دور الوسيط اليوم في إيصال صوتها، وكلنا ثقة بسرعة الاستجابة.لن أخوض في تفاصيل القصة المنشورة على الجانب، ولكن لي تعقيب بصفتي المهنية أولاً ولأنني أم تدرك حرقة قلب والدة الطالب على ابنها، ولن أقول طالباً بل سأقول إنه طفل يمثل أمانة لدى إدارة المدرسة، والأمانة يجب أن ترد إلى أصحابها سالمة!هذه القصة تحمل في تفاصيلها مجموعة من المشاكل التي يدركها العاملون في السلك التعليمي والمتابعين والمراقبين له، ولكنهم لا يضعون الضوابط، بل يتركونها مرهونة بالتصرفات الشخصية التي تختلف من فرد إلى آخر، فإن أحسن التصرف كان به، وإن أساء لا رادع ولا محاسب، وهذا مربط الفرس.أول ملاحظاتي تتعلق بإدارة المدرسة، البيت الثاني للطالب، فهي مؤسسة تعليمية، مسؤولة عن عدم ضياع الوقت واستثمار كل يوم في سبيل توصيل رسالة تعليمية وتربوية، وهذا ما يجعلنا نطرح تساؤلات مسكوت عنها تتعلق بسبب توقف إعطاء الدروس في أيام محرم، وترك الطلاب -من داوم منهم- دون تدريس، فلماذا يدفع الطلاب ثمن غياب الدروس، ولماذا يتركون دون رقابة، فحتى لو كان الصف يخلو من الحد المعقول يتم الدرس، فيمكن دمج الصفوف وتقديم دروس إثرائية، بدل تركهم دون حسيب ولا رقيب، أو دون ما يشغلهم ليكونوا عرضة للهروب، ومن ثم الخطر؟ وإن كانت الوزارة لا تستطيع ضمان هذا الحد المعقول من التصرف في مثل هذه الحالات فخير لها أن تعطي صلاحية لمدراء المدارس في بعض المناطق لتوقف الدراسة أيام محرم ، لعدم تكرار مثل هذه القصة بعد الآن والسبب عجز المدرسة من تقديم الدرس لمن حضر!.ثاني ملاحظاتي تتعلق بالإشراف الاجتماعي، ففي الوقت التي تعمل وزارة التربية على توفير مشرفين متمرسين ومتخصيين يراد منهم الاهتمام بمشاكل الطلاب الخاصة، والبحث فيها، ومراعاة نفسياتهم، نجد أن هذه القصة تقدم نموذجاً لسوء التعامل مع حالة طفل كان من الأولى وضعها في دائرة الكتمان حفاظاً على مشاعر الطفل، فكيف لصورة الولد المبتور أصبعه وهو في وضع النزيف، وهو جالس في سيارة المشرف أثناء نقله إلى المستشفى، أن تتسرب لتوضع في التوتير، ويتم التشهير بها بهذه الطريقة، -مع الإشارة إلى أن الصورة موجودة لدي ويمكن للوزارة الدخول إلى التوتير أو طلبها مني للاطلاع على مدى فضاعتها- فهي صورة شنيعة لا ينشرها من يملك القليل من الضمير، فكيف إذا كان تربوياً متخصصاً.هذه الصورة، وموضوع تسربها، هي تعدي على حقوق الطفل، وضرباً لخصوصية عائلة كانت تتوقع نمطاً مغايراً من التعامل مع قضية ابنها، ومتابعة جادة لنفسية الطفل، ومحاولة التقرب منه، وهم يعلمون أنه يذهب إلى المدرسة وفي يده قفازاً بسبب بتر أصبعه، وهذا دليل على وجود مشكلة في نفسية الطفل يراد من المدرسة أخذ دور حلها، وتقوية التواصل مع الطفل وذويه في الوقت نفسه.وأيضاً كيف يعقل أن يطلب من الأخ أن يذهب للبحث عن أصبع أخيه المقطوع، أين الاحترام لنفسية الطالب، وأين مسؤولية الإشراف الاجتماعي، أليس هذا التصرف بحاجة إلى تدقيق ومحاسبة!ثالث ملاحظة للوزارة، هي مسؤوليتها لتوفير كل ما يلزم لحماية كل طالب داخل سور المدرسة، فما هي الإجراءات التي قامت بها تجاه هذه القصة أولاً، وكيف تواصلت مع أهل الطالب، وهل تم بحث أسباب القصور من قبل المدرسة؟ وما هي الإجراءات التي يجب أن تتبع في مثل هذه الحالات، أم أن غض الطرف هو الواقع!رابع ملاحظة إلى وزارة الصحة وأهل الخير، فهذا الطفل (ابن البحرين) هو طالب يمكن أن يكون ابني أو ابنكم، بحاجة إلى علاج بغض النظر عن القصة، طفل مريض جسدياً ونفسياً، كان ضحية موقف ترجم قصوراً في المدرسة وفي الإدارة وفي الوزراة، طفل لا يريد سوى أن يرى يده سليمة، ويخلع القفاز الذي يخفي تشوهها، فكيف بالأثر النفسي الذي لا يعلم حجمه غير الله.لطالما كانت القصص التي نسمعها حول مشاكل الطلاب في المدارس مثار استغراب، فعلى الرغم من هول ما يتناهى إلى المسامع يبقى التشكيك في مدى صدق ما يتناقل بشكل موضوعي يخلو من التهويل أو التضخيم، وهذه القصة ليست سوى نموذج لما هو مسكوت عنه. وآخر القول، قول الحق: (إنَّ الله يأْمرُكُمْ أَنْ تؤَدوا الأماناتِ إِلَى أَهلها)، وكل طالب هو أمانة في مدرسته.