الخبر يقول إن اللائحة التنفيذية لقانون «كشف الذمة المالية» دخلت حيز التنفيذ.طبعاً الخبر يستوجب فرح الناس باعتبار أن هذا القانون يفترض أن يكون من القوانين التي تحارب الفساد وتكشف حالات الإثراء «غير الطبيعية» التي تشير بالضرورة لوجود حالات مريبة لا تخرج عن مظلة الفساد أو الكسب غير المشروع.الخبر يقول أيضاً إن القانون يشمل جميع من في الخدمة، يعني أن الجميع من كبار المسؤولين إلى صغارهم وصولاً لنواب وشوريين وغيرهم كلهم عليهم الإفصاح عن ذممهم المالية، وهذا شيء جيد.ولكن، وهنا عشرة خطوط حمراء تحت كلمة «لكن»، الخبر نفسه يقول إن القانون لن يطبق بأثر رجعي وسيعمل به ابتداء من عام 2010.أول توصيف يتبادر للذهن هنا هي جملة «عفا الله عما سلف»، إذ حينما تحدد تاريخاً لتطبيق إجراءات لتطبيق العدالة لا يمكن أن تسقط الماضي هكذا بجرة قلم، إذ من حق المواطن أن يسأل هنا، وماذا عن حالات الإثراء غير المشروعة الناجمة عن فساد والتي سبقت عام 2010؟! هل ننساها ونسقطها من الحسبة؟! تحديد تاريخ بداية تطبيق القانون هو بمثابة منح «صك براءة» لمن مارس الفساد واستغنى من أموال الدولة وكسب مالاً غير مشروع قبل عام 2010، باعتبار أنه بحسب القانون لا يجوز مساءلتهم، وأنهم لا يدخلون في «الحسبة».يا «بخته» الذي كانت آخر عمليات «اللهف» التي قام بها في 31 ديسمبر من عام 2009، والذي سيقبل يده باطناً وظهراً لأنه لم ينتظر يوماً إضافياً واحداً يضعه رقمياً في العام الجديد!لسنا ننتقد القانون، بل على العكس، كتبنا في السابق بأن إقرار تطبيقه تأخر كثيراً جداً، وكل أعذارنا في هذا البلد متعلقة إما باللوائح التي لا تنتهي التعديلات عليها وتأخذ سنوات طوال، أو متعلقة باللجان العديدة التي تشكل في أي موقع لإعداد دراسات أو بحث قضايا وحالات، إذ في مجتمعاتنا بات معروفاً للجميع بأنك حينما تريد «تضييع» مسألة تقوم بعمل لجنة لها، والأمثلة كثيرة جداً.القانون جيد بل ممتاز إن كان بالفعل سيساهم في الحفاظ على المال العام ويحاسب الفساد والمفسدين، ويردع من يتحايل على حساب الوطن والمواطنين، لكن لماذا لا يطبق حتى في الفترات التي سبقت 2010؟! أتساءل، لماذا لا يطبق أقلها منذ تولي جلالة الملك الحكم وبدء المشروع الإصلاحي؟! أقلها حتى يواكب القانون بدء مرحلة من التصحيح!استثناء ما حصل قبل عام 2010 مسألة مجحفة، إذ وكأننا نمسح التاريخ بجرة قلم، ونقولها بألم لأننا رأينا رأي العين مثالاً بليغاً جداً معنياً بمحاربة الفساد وإطلاق الوعود على مسمع الناس بأن لا مكان للفساد في هذا البلد، في حين رأينا كيف كان مصير تسعة تقارير أو أكثر للرقابة المالية أصبح مكانها «المتحف» لكثرة ما علاها من غبار بسبب تناسيها وعدم اتخاذ إجراءات بشأنها.القانون يشمل تقريباً الجميع حتى درجة مدير إدارة، ويدخل معه ما يملكه الزوج أو الزوجة أو الأولاد القصر من عقارات ومنقولات وثروات داخل وخارج البحرين!الفقرة أعلاه تعني أننا يفترض أن نجد «عاصفة» كبيرة لدى كثير من المسؤولين في الدولة لنقل السجلات التي يملكونها إلى ملكية آخرين، سواء أبناء أو أقارب، إذ كما يعرف الجميع بأنه لا يجوز بحسب القانون أن يمتلك موظف في الدولة سجلاً تجارياً باسمه، ولكن طبعاً هذا لا يطبق بصرامة، إذ الالتفاف عليه موجود وتعرف البحرين قاصيها ودانيها بعديد من المشاريع ومن أصحابها والذي يحصل في كثير من الأحيان أنهم موظفون في الدولة، يعرف الناس كيف يسجل البعض السجل باسم أبنائه أو أقاربه أو حتى أصدقائه، يعمل موظفاً في الدولة وراعي مطاعم ومقاولات وشركات!هذه الحالات من المسؤول عنها؟! وأضيفوا عليها ملايين من الدنانير أهدرت وذهبت، فهناك من اغتنوا على حساب الدولة، وهناك من عرض سيارات للبيع بدينار واشتراها هو! وهناك من وضع يده بطرق ملتوية على أملاك عامة ليحولوها إلى «بزنس» خاص، وربيع و«عمار يا بحرين».تريدون تطبيق قانون للذمة المالية؟! طبقوه على الجميع دون استثناء، وطبقوه منذ بدأ المشروع الإصلاحي على الأقل حتى يحس الناس بأننا جادون بالفعل في الإصلاح ومحاربة الفساد.تريدون محاربة الفساد؟! طيب حاربوه، لديكم عشرات الصفحات في تقارير الرقابة المالية، امسكوها صفحة صفحة وحاسبوا من يجب محاسبته.عموماً في قانون الذمة المالية هناك عقوبات صارمة على من استغنى بصورة غير شرعية، أو لم يكشف عن ذمته المالية، إذ وفقاً للقانون فإن من يتخلف عن تقديم إقرار الذمة في مواعيدها المقررة يعاقب بغرامة لا تقل عن 500 دينار، كما يعاقب بالحبس والغرامة التي لا تقل عن 1000 دينار ولا تزيد 3 آلاف دينار أو إحدى العقوبتين إذا أثبت الملزم أو زوجه في الإقرار عمداً ببيانات غير صحيحة أو مضللة أو تعمد عدم تقديم الإقرار إلى ذلك يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 5 سنوات وبغرامة لا تقل عن 5 آلاف دينار كل ملزم حصل لنفسه أو لغيره كسبا غير مشروع.الآن لنأتي لنترجم العقوبات:- من لا يفصح عن ذمته المالية يعاقب بغرامة 500 دينار.- من يقدم بيانات غير صحيحة ومضللة يعاقب بغرامة من 1000 إلى 3 آلاف دينار.- من تحصل على كسب غير مشروع يحبس 5 سنوات ويعاقب بغرامة 5 آلاف دينار.طيب، لنفترض أن فلاناً أو علاناً «لهف» من المال العام مليون دينار، أو أكثر، يعني تحصل على كسب غير مشروع، عقوبته 5 سنوات سجن يقضيها ويخرج بعدها ويدفع غرامة 5 آلاف دينار هي لا شيء بالنظر لمليون دينار نهبه، وبعدها يواصل التمتع ببقية «الملهوف».الزبدة فيما نقول يا جماعة، بأنه لا في لوائح الرقابة المالية ولا في لوائحكم بنود صارمة تقول بصريح العبارة: كل من سرق فلساً أحمر من المال العام، عليه أن يرجعه بالتمام والكمال، وفوق ذلك يعاقب بالحبس.من يريد تطبيق العدالة المجتمعية ومحاربة الفساد بصدق، فليفعل ذلك بدون استثناءات وبدون إيجاد «مخارج» و«دواعيس» للبعض ليكونوا فوق القانون.عموماً، نبارك لمن لهف ونهب واستغنى قبل عام 2010، أنتم معفيون من الإفصاح عن ذممكم أمام الدولة بحسب القانون!