أولئك الذين ينادون بإسقاط النظام ويسعون إلى تحقيق هذا الهدف لا يهتمون أبداً بمصالح الناس وأرزاقهم، لا يهمهم إن تضررت أم لم تتضرر، فخسارة الناس وتعرضهم للأذى لا تعني لهم شيئاً، فهم لا يرون إلا شيئاً واحداً ولا يفكرون إلا في أنفسهم، ويعتقدون أنهم الوحيدون الذين يجب أن تتحقق آمالهم وأحلامهم، ويعتقدون أن على الجميع أن يقف معهم وإن لم يكونوا مقتنعين بما يقولون وما يرفعون من شعارات. انطلاقاً من هكذا تفكير فإن الآخر الذي لا يتفق معهم لا قيمة له وليس من حقه حتى أن يطالبهم بعدم تعريضه للأذى. هم أولاً وهم أخيراً، والآخرون عليهم أن يكيفوا أنفسهم وأن يتحملوا ريثما يحقق أولئك مطامحهم.هذا بالضبط هو تفكير، أو بالأحرى مستوى تفكير، ذلك البعض الذي أوهم نفسه فصدقها، وظن أنه قادر على تغيير الأوضاع وإسقاط النظام وبناء نظام جديد يرضى عنه الجميع، وأنه ريثما يتمكن من تحقيق ذلك فإن على الآخرين أن يتحملوا كل ما سيجري عليهم ولا بأس حتى لو خسروا أموالهم وأولادهم!في هذا السياق وجه ذلك البعض سهامه إلى بعض شركات المقاولات لأنها نفذت عملاً ما كان ينبغي -من وجهة نظره- أن تنفذه، خصوصاً وأنه يخدم الحكومة، وليس مهماً ما قد تخسره لأن المهم أن تكون مع ذلك البعض الذي لا يرى إلا نفسه. في السياق نفسه عاب ذلك البعض على تاجر حرص على الاستفادة من مناسبة إقامة سباق الفورمولا1 فأصدر منتجاً تقوم الشركات العالمية عادة بإنتاجه في هذه المناسبات، ورأى أنه تجاوز حدوده بالمجاهرة في «تأييد» الفورمولا1 الذي كان ينبغي مقاطعته والوقوف ضده. والأكيد أن الشركتين اللتين «تجرأتا وتطاولتا» ستتم الدعوة إلى مقاطعتهما ومعاداتهما لأنه «ليس من حقهما» السعي على رزقهما ورزق عيالهما طالما أن ذلك البعض لايزال دون تحقيق هدفه!ترى هل يعقل أن يفرط الناس في أرزاقهم لأن ذلك البعض أصيب بلوثة في عقله الذي زين له وأوهمه أنه قادر على تسلم زمام الأمور لو أراد؟ هل المطلوب من الناس تعطيل حياتهم وتضييع الفرص التي يمكن أن يكسبوا من خلالها أرزاقهم لأن ذلك البعض يريد أن يسقط النظام؟ هل من العدل والإنصاف أن يجمد الناس حياتهم لأن ذلك البعض تكونت لديه رغبة إسقاط النظام؟ وهل المنطق أن يقف الناس مع مثل ذلك البعض الذي لا يرى في المشهد إلا نفسه ولا يهمه أمرهم ولا يهمه إن ربحوا أو خسروا، عاشوا أو ماتوا؟ هذه إشكالية يعاني منها المواطنون والمقيمون ويرونها اليوم مشكلة متجسدة على أرض الواقع، فذلك البعض الذي «اشتهى» أن يسقط النظام يريدهم أن يسكتوا عن كل ما يقوم به وأن يضحوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل تحقيق شهوته وإلا فإنهم خونة ومنافقون وبلطجية وزئبقيون وانبطاحيون، وما إلى ذلك من أوصاف يستحقونها طالما أنهم لم يخضعوا لرغبة ذلك البعض وما اشتهاه. لا أفهم كيف يفكر ذلك البعض؛ لكن من الواضح أنه يعيش تناقضات صعبة لعل أبرزها أنه ينادي بالديمقراطية بينما يعمل بعكسها، فكيف يكون ديمقراطياً من لا يقبل حتى من الناس الذين لا علاقة لهم بتفكيره وأحلامه أن يسعوا على أرزاقهم ويريدهم أن يقبلوا بالمضرة على أنفسهم إكراماً له؟ كيف يكون عادلاً من لا يرى في المشهد إلا نفسه ولا يرى إلا مطالبه وأحلامه؟ من حق ذلك البعض أن يحلم ومن حقه أن يسعى إلى تحقيق حلمه، ولكن من حق الآخرين أيضاً أن يعيشوا ويراعوا مصالحهم وينظروا إلى مستقبلهم.