المتابع لتصريحات وتغريدات المحسوبين على ما صار يعرف بائتلاف فبراير، خصوصاً أولئك الذين اختاروا العيش في الخارج وصاروا يمتلكون الوسيلة إلى المنظمات الحقوقية العالمية والفضائيات المساندة لإعلامهم، يتبين له بوضوح أنهم غير راضين عن دخول الجمعيات السياسية، خصوصاً الوفاق، في حوار التوافق الوطني واستمرارهم فيه وعدم انسحابهم منه حتى الآن، رغم تصريحاتهم السلبية عنه وعن الطريقة التي يجري فيها، بل إن بعض تلك التصريحات والتغريدات وصلت حد اتهام الجمعيات السياسية وممثليها في الحوار بالخيانة وبيع «القضية»، وأنها ستجد نفسها بعد قليل وقد اصطفت إلى جانب السلطة وستقبل بالفتات. وبعيداً عن الرأي القائل إن «المعارضة» بنوعيها الناعم والخشن تتبادلان الأدوار وتضحكان على ذقون البسطاء؛ فإن الواضح أنها منقسمة على نفسها ولكنها لاتزال دون مرحلة المجاهرة بالاختلاف خشية أن تستغل الدولة ذلك في إضعافها والقضاء عليها، فالواقع يظهر أن الجمعيات السياسية لا توافق ائتلاف فبراير في تطرفه وإصراره على مواصلة المواجهة مع السلطة رغم دعمها له بطريقة أو بأخرى، ويظهر كذلك أن ائتلاف فبراير غير راض عن دخول الجمعيات السياسية في الحوار إلى الحد الذي أعلن فيه أنه لا يعنيه ما سيتم التوصل إليه وأنه لن يلتزم به بل إنه لن يقبل به حتى لو قبل المواطنون به عبر آلية الاستفتاء حتى إنهم يصفونه بـ «خوار العجل»! هذا يعني أن هناك بوادر لانقسام «المعارضة» على نفسها قد ينتج عنه بعد حين ما يعطي الواقعيين الأمل في انتهاء مرحلة الفوضى التي أدخلت البلاد فيها بسبب قفزتها غير المسؤولة في الهواء ونتج عنها الكثير من الآلام والكثير من الخسائر التي ما كان ينبغي أن تحدث. في كل الأحوال فإن انقسام «المعارضة» على نفسها هو الأمر الطبيعي، وهو النهاية المتوقعة لمثل هذا الحراك لأن ظروف المنطقة لا تستوعب أن يحدث فيها أو في بعض دولها مثل ما حدث في دول أخرى ضمن ما سمي بالربيع العربي، فالظروف هنا تختلف، وما هو متوفر للناس هنا من مستوى معيشي ومكتسبات سياسية كان ولايزال حلماً للناس في تلك الدول، عدا أن المنطقة لا تستوعب «ثورة» كما يحلو للبعض أن يطلق على ما حدث من احتجاجات ومطالبات في البحرين.لكن انقسام «المعارضة» لا يعني انتهاء المشكلة إن لم تبادر الدولة إلى حلها من جذورها، وتلاشي «المعارضة» لا يعني تلاشي المطالب المعيشية والسياسية التي ستستمر إن لم تتمكن الدولة من تحقيقها والوفاء بالتزاماتها، خصوصاً أن هناك كثيراً من المطالب العادلة التي تجمع عليها كل الأطياف، فعدم الاستجابة لها سينتج عنه ضمور «المعارضة» وليس انتهاءها ما يعني أنها ستبرز إلى السطح بعد قليل، وقد يكون الاستجابة إليها بعد ذلك أصعب.نحن إذاً أمام حقيقتين؛ الأولى أن «المعارضة» على وشك الانقسام على نفسها وانحسارها، وأن هناك كثيراً من البوادر التي تساعد على مثل هذا الاستنتاج، والثانية أن تلاشيها غير ممكن إن لم تتم الاستجابة إلى المطالب العادلة للمواطنين، خصوصاً وأن بينهم الكثير ممن وقف إلى جانب الدولة في الظروف الصعبة وينتظر أن تجازيه بما يستحقه، وليس جزاء أفضل من الاستجابة لمطالبه العادلة والارتقاء بحياته معيشياً وسياسياً.أمر آخر ينبغي أن تهتم به الدولة فيما يخص «المعارضة»؛ حيث الأفضل من الاستمرار في التصدي لها خصوصاً بعد أن ترفع الراية البيضاء هو تحويلها إلى معارضة إيجابية لتمارس دورها الطبيعي فتسهم في البناء بدل الهدم وتوفر الرأي السديد بدل الرأي الذي يؤدي إلى إحداث الفوضى. انقسام «المعارضة» في هذه المرحلة مفيد للوطن لكن تلاشيها غير ممكن إن لم تتم الاستجابة إلى مطالب المواطنين العادلة.
Opinion
بوادر انقسام «المعارضة»
27 أبريل 2013