كان الجواب لسؤالي الذي ختمت به مقال الأمس «كيف نحمي البحرين من الأصولية الدينية شيعية كانت أم سنية حتى لا تستعيد البحرين عافيتها من جديد فحسب، بل تستعيد سيادتها التي خرقتها تلك الأصولية وعاثت فيها فساداً»، هو في إعادة الاعتبار للدولة وإعادة الجماعات لوضعها «الطبيعي» داخل نطاق الدولة، فلا تتغول الأصولية أو غيرها وتطغى على الدولة ومن فيها وتعيث في الأرض فساداً كما حدث عندنا. الجواب هو في قبول كل أطراف الدولة بكل استحقاقات الدولة المدنية، بما فيها من منظومة تشريعية وقانونية تشكل مظلة حامية لجميع الأقليات، وتلزم الجميع بلا استثناء بالقبول بالاحتكام للقضاء والحفاظ على استقلالية القضاء لتكون حصناً حامياً منيعاً للجميع.الجواب في قبول الحكم بالابتعاد عن إدارة الصراعات السياسية محتفظاً بذات المسافة من الجميع، بهكذا نحمي البحرين من تغول الجماعات الأصولية وطغيانها وتحفظ سيادة الدولة.فلا استثناء لعمامة ولا محاباة للحية ولا قدراً أكبر لهذه الجماعة عن تلك، ولا يسمح لأي جماعة كانت أن تعارض «الدولة» بل يسمح لها أن تعارض «الحكومة» وفي ذلك فرق. ألا يسمح لأية «خصوصية» مذهبية أو اجتماعية أو غيرها أن تكون ذريعة لتملص أي جماعة من الالتزامات القانونية الدستورية التي تحدد طبيعة العلاقات السياسية والاجتماعية بين الأفراد والجماعات.الجواب أن لكل حق تطالب به هذه الجماعات يقابلها التزامات تجاه هذه الدولة تستلزم الإيفاء بها قبل أن تتحصل على حقوقها. ولابد من الانصياع لقوانين الدولة والاحتكام لدى قضائها، ولابد من تنفيذ أحكام القضاء والرضا به، فلا تتدخل سلطات لمنح حصانة لأي جماعة من أجل حسابات سياسية، كما حدث في البحرين، حين منحت الأصولية الدينية حصانة وضعتها فوق القانون، وفوق مؤسساتها فأصبحت أكبر من الدولة وتحولت الدولة رهينة لديها.إن الجماعات الأصولية الشيعية ما كانت للتغول في طغيانها لولا أنها منحت حصانة أخلت مسؤوليتها حتى من الالتزام بحماية السيادة الوطنية، فامتدت شبكة أصولية شيعية عبر دول الخليج عابرة للحدود السياسية سمحت لنفسها بالارتباط بدوائر استخباراتية أمريكية وبريطانية وبتمويل إيراني، وحصلت على دعم لوجستي ومعنوي، عرابها كان جلبياً عراقياً تبعته جوقة بحرينية فتحت لها الأبواب الأمريكية والبريطانية وجابت معه أوروبا وأمريكا وممولهم الكويتي معهم، ولم يكن لذلك التغول أن يحدث لولا تلك الحصانة التي هي خارج القانون والتي سمحت لهم بالحراك محلياً ودولياً دونما قانون يحدد ودونما مؤسسات تنظم ودنما قرار سيادي بوقف تلك الانتهاكات. لقد أعطى الحكم تلك الحصانة لهذه الجماعة فكانت خارج نطاق القانون حتى أصبحت خارج نطاق الدولة وأصبحت تحتمي رغم خيانتها ورغم ضررها بالمصلحة الوطنية بقوى أجنبية تحصنها من القوانين المحلية.تحتاج البحرين اليوم أن تلتزم أو تطور من منظومتها التشريعية الخاصة بحماية سيادتها وأمنها القومي إن كان هناك قصور تشريعي، بحيث تلزم تلك الجماعات بحق الدولة في أمنها وسيادتها الوطنية، فتواجه الدولة تلك الخروقات والثغرات القانونية الموجودة في قوانينها المحلية مستندة على حقها الطبيعي في حفظ أمنها القومي الذي يأتي فوق أي اعتبار انطلاقاً من المواثيق الدولية، كما فعلت بريطانيا وفرنسا وأستراليا وكندا وأمريكا وروسيا، حتى لا تكون أي جماعة -أصولية كانت أو غير أصولية- فوق القانون وقادرة على استغلال الثغرات القانونية في التمدد وعابرة لحدود دولتها السيادية.القانون المحلي الوطني وحده من له حق تحديد طبيعة العلاقة بين مرجعيات تلك الجماعات الأجنبية وبين هذه الجماعات، فلا يترك الأمر لاجتهادات فردية أو جماعية هي التي تضع حدود القرار السيادي وفقاً لمزاج ومصالح تلك المرجعيات في خرق واضح وصريح للأمن القومي، وعلى الجماعات والأفراد الالتزام بهذه القوانين الوطنية طالما يطالبون بحقوقهم الدستورية، كما إن للفرد أو للجماعة حق اختيار المكان الذي تسمح به قوانينه أن يدين بالولاء السياسي لتلك المرجعية. في البحرين كانت العملية عكسية فقد تهاونت البحرين في إلزام المرجعيات الدينية الأجنبية باحترام حدود السيادة الوطنية، كما تهاونت في إلزام الأفراد باحترام تلك الحدود عبر القوانين والتشريعات والقضاء.تغول الجماعات الأصولية لم يكن ليحدث لولا أن تلك الجماعات وجدت بيئة خصبة وفراغ سمح لها بهذا التغول أرهبت به المجتمع المدني وأرهبت به الجماعات الأخرى الإثنية والمذهبية ووضعت لنفسها الحق بأن تخرق أمن وسيادة الدولة فاستولت على المنابر واستولت على الصناديق التمويلية واستولت قبضة القضاء الشرعي وسمحت لها الدولة بتأسيس الوعاء السياسي رغم مخالفتها الدستورية وسمحت لها بالتنقل والتعامل والتعاطي مع الحكومات الأجنبية بلا ضوابط والنتيجة أن تقوقع المجتمع ودخل كل إلى خندقه بعد أن تراجعت الدولة عن التزاماتها واخترق الأمن الوطني. إعادة الاعتبار للدولة والقبول بشروطها والالتزام بأحكامها جواب للسؤال.