حسب ما فهمته من خطبة الجمعة الماضي للشيخ عيسى قاسم، والمنشورة عبر مختلف الوسائل هو أنه يوجه الجمعيات السياسية المشاركة في حوار التوافق الوطني إلى «رفض كل ما قد يتوصل إليه المجتمعون إن لم يتضمن تحقيق كل ما هو مراد من الحوار من وجهة نظره ونظر «المعارضة»»، ويدعوهم إلى «الإصرار على الحصول على كل شيء»، ملمحاً إلى أنه «سيتم تهميش الجمعيات السياسية وخصوصاً «الوفاق» إن وافقت على ما لن يوافق عليه «الشعب»»، فقال «الجمعيات المشاركة في الحوار لن تعطي موافقتها على نتائج تعلم مسبقاً أنها مرفوضة من الشعب». وحسب فهمي المتواضع أيضاً أن هذا القول يحمل معنيين، الأول هو ما سبق بيانه، والثاني هو أن «الجمعيات السياسية المشاركة في الحوار توافقت على هذا الأمر»، وأكدت للشيخ قاسم أنها «لن تخرج عن طاعته، وأنها لن توافق إلا على ما يوافق عليه وسترفض كل ما سيرفضه». في الخطبة نفسها، قال الشيخ قاسم «الصحيح أن يأخذ الحوار مجراه نحو النتائج المرضية شعبياً، وتكفل للوطن أمنه واستقراره وتقدمه»، في هذا القول ركز الشيخ قاسم على نقطتين لن يختلف أحد معه على إحداها، وهي المتعلقة بأن تكفل نتائج الحوار للوطن أمنه واستقراره وتقدمه، فالأمن والاستقرار والتقدم غايات لا يختلف عليها أحد من «شعب البحرين»، لكن كثيرين يمكن أن يختلفوا مع الشيخ قاسم على الثانية حيث القول «أن يأخذ الحوار مجراه نحو النتائج المرضية.. شعبياً» يفهم منه أن تكون النتائج متطابقة مع ما يريده طرف محدد، والذي يمثله سماحته، ذلك أن كلمة «شعبياً» يختلف اليوم أهل البحرين على مفهومها، فمن هو الشعب؟ هل هو المنتمي لهذا الطرف الذي يخاطبه قاسم أم المنتمي للطرف الذي لا يعتبر برأيه؟ هذه حقيقة علينا ألا نتعامى عنها، اليوم شعب البحرين صار شعبين، شعب يؤمن بآراء ومبادئ لا يؤمن بها الطرف الآخر، ولا يتقبل ما يصدر عنه أو عمن يمثله، يقابله شعب بات يناقضه في كل شيء تقريباً. أتفهم أن هذا الكلام مؤلم، ولكن للأسف الشديد لا مفر من قوله، لذلك فإن قول «الموافقة الشعبية» على ما سيوافق عليه فريق «المعارضة» في الحوار، تعني موافقة جزء من شعب البحرين، وليس كل شعب البحرين، فما يريده هذا الجزء يختلف عما يريده الجزء الآخر، وإن ظلت بينهما مساحة ومطالب مشتركة. إن حوار التوافق الوطني ليس بين «المعارضة» والحكومة، ليقال إن «الشعب» يوافق أو لا يوافق على ما سينتج عنه من نتائج، ولكنه بين العديد من الأطراف ذات التوجهات والأهداف والرؤى المختلفة، فما سيوافق عليه هذا الطرف ربما لا يوافق عليه الطرف الآخر، والدليل أنه حتى الآن لم يبدأ الحوار الفعلي، فالجلسات العشر التي مرت كانت مخصصة للتوصل إلى الاتفاق على جدول الأعمال وآلية الحوار، فإذا كان الأمر التنظيمي استغرق كل هذا الوقت، فكيف بالحوار وما قد يتوصل إليه المجتمعون؟الشيخ عيسى قاسم يقول أيضاً «يصعب على السلطة أن تستجيب لما اعتادت على عدم الاستجابة له، وأنه بالمقابل لن يرجع «الشعب» من دون تحقيق مطالبه كما لن يقبل بما لا يراه حلاً ينهي معاناته ويحفظ مكانته».هذا القول الذي لا تغيب عنه أيضاً بعض الحقائق يعني في بعض معانيه أنه لا قيمة للحوار ولا فائدة ترجى منه طالما أن المتحاورين لن يبصموا على كل ما تريده الجمعيات السياسية المشاركة فيه.. أو بالأحرى كل ما يراد منها!ترى هل يوجد مخرج آخر لمشكلتنا غير الحوار؟