طالعتنا الصحف مؤخراً بعدد من أخبار الأعمال الإرهابية المتصاعدة في البحرين، مجدداً، وهي لا تعدو على كونها "تمظهرات” نسق إرهابي كامن في العمق الثقافي لدى الإرهابيين، وذلك استناداً على ما ذكره "محمد بن علي المحمود” في كتابه "نحن والإرهاب”، بشأن انخراط الأعمال الإرهابية في سياق وجداني عام، كفيل بأن يعطيها طابع التراكمية المعرفية – وإن لم تكن معرفية في الحقيقة، لاسيما إن تم شحن العمق الثقافي وتعزيزه بالعنف والإرهاب على فترات زمنية متباعدة، وربما متقطعة.ويبدو جلياً أن البلاد تمر بمرحلة جديدة من العنف المجنون والحالة المأزقية السابقة، ما لم يتم التعامل معه بحسم وحزم شديدين هذه المرة. ولكون الإرهاب وجهاً من أوجه العنف، يمكن القول إن ما يمارسه هؤلاء الإرهابيون تجاوز التمرد والعصيان بمراحل كبيرة إلى استعمال العنف كآلية من آليات الدفاع عن الذات العاجزة والمحبطة، ومنشأ الإحباط، الصدمة الناتجة عن عدم تحقيق الآمال والتطلعات والأهداف وفشل المشروع الانقلابي في مملكة البحرين فشلاً ذريعاً، الأمر الذي يفسر اللجوء لأساليب عدوانية ملتوية.ولطالما استخدم العنف جوهراً للثقافة ونموذجاً معرفياً وسلوكياً في التعامل مع الآخر، إذ يجري شحن واستنهاض عناصر الدفع في ثقافة العنف ذاتياً، كلما مارست الحكومة أو رجال الأمن أدنى الحقوق القانونية في الدفاع عن الوطن والذود عن أبنائه. والثقافة في مثل هذه الحالة، كما عبر عنها أستاذ علم الاجتماع د. عبدالغني عماد، المعرفة على أنها "تعطي حاملها هويته الاجتماعية وتحدد أفقه الوجودي وتوجهه ومرجعياته العامة”.وقد قسم الأخير العنف لثلاثة أنواع رئيسية، أولها العنف المادي ويعني الاستخدام غير العادل للقوة بشكل سلوك فعلي أو قولي من قبل فرد أو مجموعة لإلحاق الأذى بآخرين بدنياً أو حقوقياً أو الإضرار بمصالحهم أو أمنهم. يليه العنف الرمزي الذي يستهدف إلحاق الضرر بالموضوع الذي يمارس عليه العنف سيكولوجياً لجهة خلخلة شعوره بالأمن والطمأنينة أو الحط من كرامته واعتباره وتوازنه، وقد يكون النوع السائد نسبياً في البحرين. صحيح أن هذا النوع لا يمس حق الحياة لدى الفرد أو الجماعة، إلا أنه يصيبهم بما هو مقدس لديهم. ويهدف النوعان الأول والثاني إلى التأثير على الإرادة وإكراه الآخرين على التنازل عن حقوقهم أو تلبية مطالبهم!!أما النوع الثالث فهو العنف الفكري، والذي يعد المقدمة التي يتكئ عليها العنف المادي والرمزي، ويرتسم على صورة ثقافة وخطاب، مستخدماً آلية التخفيض والتهميش والتغييب، وهو ما يحدث في استبدال أسماء بعض المواقع والمناطق في البحرين شعبياً، نحو تحويل اسم "فريج البنعلي” في المحرق –على سبيل المثال لا الحصر- إلى "فريج كريمي” وغيره كثير.وفي هذه الأثناء، يلزمنا تحليل أعمق لظاهرة الإرهاب في مملكة البحرين، فهو مهما بلغ حجمه، يعد بمثابة عمل رمزي لا يستهدف الضحية في ذاتها وحسب، بل النظام والجماعة التي تنتمي إليها أيضاً. وبالتالي، فإن الفعل الإرهابي هو رسالة موجهة إلى الآخرين، وبالطبع كان من الممكن توجيهها عبر الحوار والتفاهم، ولكنه الأسلوب الناقم على المجتمع والوطن. ويبقى السؤال، هل ستشعر الجهات الأمنية أولئك الإرهابيين باستلام الرسالة والرد عليها في مرحلة ما؟ الجواب على الأغلب "لا”، ولكننا نتطلع ونتمنى من أعماق قلوبنا أن لا تعود البحرين من جديد للاختناق في عنق الزجاجة، فيمسرح الإرهابيون أرض البحرين كيفما شاؤوا، وكيفما فعلوا سابقاً في عروضهم الإرهابية.