الرأي

عش حياتك بسعادة

المسير

يقول الشيخ محمد العريفي: «كثير من الناس يجعل الحل هو الاكتئاب الدائم، والتأفف من واقعه، وكثرة التشكي إلى من عرف ومن لم يعرف، وهذا لا يرد إليه رزقاً فاته، ولا يعجل برزق لم يكتب له. إذن ما الحل؟ إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون. العاقل فهو الذي يتكيف مع واقعه كيفما كان، ما دام لا يستطيع التغيير إلى الأحسن، أحد أصدقائي مع مجموعة كان يشرف على بناء مسجد، فضاقت بهم النفقة، فتوجهوا إلى أحد التجار للاستعانة به في إكمال البناء، فتح لهم الباب، جلس معهم قليلاً، وأعطاهم ما تيسر، ثم أخرج دواء من جيبه وجعل يتناوله. قال له أحدهم: سلامات، عسى ما شر؟ قال: لا هذه حبوب منومة، منذ عشر سنين لا أنام إلا بها. دعوا له، وخرجوا. نعم عش حياتك لا وقت فيها للهم، تعامل مع المعطيات التي بين يديك.
لا مجال اليوم أن تكون حبيس الواقع الذي تعيشه، وحبيس العراقيل الحياتية التي لا تنتهي، وحبيس الألم والحزن الذي تقاسيه في بعض لحظات حياتك.. لا مجال أبداً أن تكون ذلك الشخص «الشرس» الذي يتأثر بالظروف المحيطة حوله، فتراه على غير حال عندما يقع في أبسط متاهات الظروف، أو تصيبه شوكة صغيرة في يده، عندها إياك ثم إياك أن تقترب منه.. لا مجال اليوم أن نكون مجرد «ألعوبة ضاحكة» في يد من يريد أن نبقى في شقاء دائم، أو وهم زائل، أو هم عابث، فهم عاشوا من أجل أن ينشروا العبث في النفوس البريئة، ويتصيدوا زلاتهم في الماء العكر.. لا مجال اليوم أن يعتقد الواحد منا أنه يعيش في «اكتئاب دائم» بمجرد أن ضاقت به الحيل، وسارت الظروف على عكس ما يتمناها، فترك واحات الحياة الرغيدة، وانتكس قابعا في مسكنه المظلم، وغرفته الموحشة، وسريره المملوء بوخزات الألم والحسرات اللاذعات!!
وعلى جوانب المسير تلحظ مجموعة من الصور المتناثرة التي لاتزال تراها قاتمة بمحض إرادتك، وهي في حقيقة الأمر لوحات فنية أبدع الرسام في توزيع ألوانها، وتفصيل ملامحها ولكنها تبدو للعيان مجرد ألوان عبثت بها «فرشاة طفل» لم يفقه بعد أبجديات الفن.. إنها الصور التي جعلتنا نحبس أنفسنا داخل «قوقعة» الأحزان والتفكير في القادم المجهول.. لأننا لانزال غير قادرين على التكيف مع أنفسنا، ولا مع الواقع الذي نعيشه، فأضحت إشارات عيوننا تنظر إلى كل شيء بأنه «سواد دامس»، و»مستقبل غير واعد»، ومن ثم فاضت أرواحنا إلى مراتب الأسى والشؤم والتأفف والتشكي!!
عش حياتك بسعادة تغمر بها كل الكون، فتسعد بها نفسك أولاً، ثم كل من يشاركك لقمة العيش وميادين العمل..
فلا تتحسر على قرار اتخذته من قبل، وكان له تبعات مؤلمة على حياتك.. بل وكل أمرك للعزيز الرحيم، فهو أعلم بكل خير قدره لك، وما هذا القرار إلا «ومضة خير» وسعادة لحياتك.
ثم إياك أن تفرض «الفشل المبكر» لمشروع حياتي قررت خوض غماره وتحمل تبعاته، بل اجعله «سعادة لك» مهما كانت النتائج.
ولا تكثر من «الانطواء النفسي» على ذاتك، بل اجعله فسحة تأمل في بعض الأحيان ولوقت محدود، ثم عد وبقوة إلى الاستزادة من مكامن العون الرباني بعلاقتك الحميمية بالمولى سبحانه وتعالى.
أما أسرتك السعيدة فحولها إلى واحة من الحب والألفة والخير، ولا تنقل إليها همومك الخارجية، واحضن كل فرد منها بسعادة، واحذر من أن تخسر أي علاقة ود وصفاء بنيتها معهم.. فكلما أثقلك أي هم فيها، افزع للصلاة فهي «السعادة الروحية»، وتذكر أن أسرتك قطعة من فؤادك، فلا تجعل للشيطان عليك سبيلاً.. بل عش حياتك الأسرية بسعادة.. حتى وإن كنت ترقد في «كوخ صغير» في بستان بعيد عن صخب الحياة وإزعاج المزعجين.. فأنت حينها «ملك للسعادة» إن أحسنت قراءة نفسك بنجاح.
أما محيطك الذي تعيشه فحول كل مساحاته إلى بساتين مثمرة، ومشاهد مبهرة تسر الناظرين، حتى تجعل من السعادة عادة تتنفسها في كل حين.. فاحضن كل من تحب، وتواصل مع كل البشر، واحذر أن تخسر أي علاقة ود مع كائن من كان.. وليكن أصحابك عبير الحب الذي تستنشقه، و»أعمال الخير» هي أركانك التي تستند عليها لتصل إلى جنة الله الغالية.. وإن قدر لك غير الذي تمنيت فاعتبره سعادة أعطاك الله إياها.. وإن فاتتك بعض فرص الحياة فاجعل ما بعدها سعادة أسبغها الله عليك.
عش كل لحظة بسعادة.. فحياتك سعادة.. ولا تشغل نفسك بتوافه العيش.. فهي تبعدك عن سعادة الدارين.. اللهم إنا نسألك عيش السعداء.