لعقود طويلة ظلت مساهمة الجاليات الأجنبية المقيمة في البحرين لا تتعدى المساهمة في دعم الاقتصاد الوطني من خلال مشاركتهم العمل مع المواطنين في مختلف المؤسسات بالقطاعين العام والخاص. وبسبب الظروف التي مرّت على البلاد فإن الجالية البريطانية كانت أول الجاليات عزوفاً عن الانخراط في الشأن العام والأنشطة السياسية باعتبارها الجالية الأكثر نفوذاً في مرحلة ما قبل الاستقلال.لاحقاً بسبب الظروف الأمنية والسياسية كانت جميع الجاليات مبتعدة كثيراً عن الشأن العام، ونادراً ما كان يشاهد انخراط شخصيات من الجاليات الأجنبية مع مؤسسات المجتمع المدني، خاصة وأن لكل جالية مؤسساتها الخاصة التي تنظم أنشطة اجتماعية لتوثيق العلاقات الاجتماعية بين أبناء الجالية نفسها. في الأزمة الأخيرة عانت هذه الجاليات كما عانى البحرينيون من تداعياتها، وشكلت الأحداث حينها صدمة كبيرة بالنسبة لهم، ويبدو أن هناك تحولاً جوهرياً بين المقيمين العرب والأجانب الذين اعتبروا البحرين بلداً لهم، وباتوا في شغف كبير للدفاع عنها والحفاظ على سمعتها لأنها احتضنتهم واحتضنت أسرهم لفترات طويلة، حيث وصلت بعض الأسر الأجنبية المقيمة في البحرين إلى الجيل الثالث الآن، والذين نتحدث عنهم هنا معظم لم ينالوا شرف الجنسية البحرينية، وإن نال عدد منهم هذا الشرف. اختلف مشهد الجاليات في البحرين كثيراً مؤخراً، ويمكن الإشارة إلى عدد من السمات التي تمثل مظاهر هذا التحول: أولاً: الميل الكبير للانخراط في الشأن العام: حيث صارت كل جالية تصدر مواقف سياسية تعبّر عن وجهة نظرها تجاه الأوضاع في الدولة. كما شاركت الجاليات بفاعلية في حوار التوافق الوطني خلال صيف 2011. ثانياً: الاعتماد على العمل الجماعي: في السابق كانت لكل جالية أنشطتها، واليوم باتت هناك مؤسسة تضم ممثلين عن كافة الجاليات المقيمة في المملكة، وصارت الأنشطة التي تقام أنشطة جماعية تستهدف مختلف الجاليات وليس جالية واحدة فقط كما في السابق، وهو ما يعكس التعايش بين جميع الجاليات باعتبارها جزءاً مهماً من المجتمع البحريني. ثالثاً: الانخراط الإعلامي اللافت: في السابق كانت أنشطة الجاليات لا تظهر إعلامياً، ولكنها اليوم باتت أكثر جماهيرية، وتحظى باهتمام وسائل الإعلام المحلية والخارجية. كما يشمل الانخراط الإعلامي النشاط الواسع عبر شبكات التواصل الاجتماعي، حيث توجد المئات من الشخصيات الحقيقية، والأخرى المتسترة تعمل وتبدي آراءها، وتعلق، وتواجه، وتدافع لإيمانها بمسؤوليتها في الدفاع عن البحرين التي احتضنت الجميع. رابعاً: التفاعل المزدوج: هي سمة كانت مفقودة إلى حد كبير خلال العقود الماضية، ولكنها صارت حقيقة بعد الأزمة الأخيرة. ففي السابق كان هناك عزوف أو خجل من البحرينيين على التفاعل مع الجاليات الأجنبية والانخراط معها في أنشطة وفعاليات عامة. ولكن الوضع اختلف اليوم، بل صار كثير من البحرينيين يحرصون على المشاركة في أنشطة هذه الجاليات في خاصية تعكس حقيقة التعايش والتسامح السائد في المجتمع المحلي منذ مئات السنين. من خلال هذه السمات يمكن القول إننا أمام ظاهرة تستحق الدراسة، فانخراط كافة مكونات المجتمع وتفاعلها بعضها بعضاً ضرورة لضمان التطبيع في العلاقات، وهو عنصر قوة للحفاظ على النسيج الاجتماعي، وقوة للوحدة الوطنية.