في البحرين لا يوجد ثوار، ولكن في الدول العربية الأخرى هناك ثوار معروفة توجهاتهم وانتماءاتهم حسب كل دولة. هؤلاء ساهموا بأنشطتهم الميدانية في إسقاط النخب الحاكمة في دولهم دون أن تسقط الأنظمة السياسية التي كانت تحكمهم في مفارقة لمشهد ما بعد الثورة، ولكن ما مستقبل جماعات الثوار بعد الثورات؟من الحقائق الغائبة أو المغيبة أن الثوار الذين أشعلوا الثورات العربية تنحوا عن مواقفهم، وصارت أدوارهم الميدانية والسياسية صفراً، ومن يتحكم في تفاعلات الأنظمة السياسية في هذه الدول، جماعات شبابية أو سياسية، بعضها تبحث عن موقع معين، وأخرى تبحث عن فرص مستقبلية، وبعضها تحول في أنشطته من الاحتجاجات والمطالبات، إلى أعمال راديكالية ضد الدولة، وضد المجتمع، وضد مختلف المكونات لأسباب متعددة. هؤلاء هم من نراهم اليوم عبر شاشات التلفاز يمارسون الأنشطة الإرهابية، ويقومون باحتجاجات مفرطة لا تتوقف، وهم الذين يحتجون من أجل الاحتجاج وليس من أجل المطالب. في بعض الدول العربية، نجدهم جماعات سلمية، وفي دول أخرى تحولوا إلى جماعات مسلحة، وبالتالي فإن فرص الصراع بين الجماعات السلمية من جهة والجماعات الراديكالية من جهة أخرى واردة جداً. ومع انشغال الدول العربية وحكوماتها بإعادة الأمن والاستقرار الذي لا يبدو ممكناً في المدى المنظور، فإن الجهود معدومة لاحتواء مثل هذه الجماعات سواءً كانت من تلك التي أشعلت الثورات، أو تلك التي انخرطت في الشأن العام خلال مرحلة ما بعد إسقاط النخب الحاكمة. هذه الحقيقة لا تعكس انعدام مسؤولية حكومات الدول التي شهدت التغيير السياسي فحسب، وإنما تمتد لتشمل الدول التي لم تشهد تغييراً سياسياً، ومن بينها دول مجلس التعاون الخليجي التي تتطلب مصالحها الإستراتيجية انخراطاً أكبر في إعادة الأمن والاستقرار في الدول العربية، بدلاً من ترك هذه الدول ضحية للتدخلات الإقليمية والدولية، وضحية للصراعات الدامية بين الجماعات المتناحرة سياسياً. فحالة استقرار الفوضى التي يتسم بها النظام الإقليمي العربي اليوم لن تنعكس سلباً على الدول التي تشهد هذه الحالة، بل ستنتقل إلى جميع الدول العربية إذا لم يتم احتواؤها، ومواجهة التحديات المختلفة التي تواجهها مثل هذه الدول. وليس منطقياً أن تلتزم معظم الدول العربية -ومن بينها دول مجلس التعاون- حالة الصمت إزاء التطورات الجارية في بلدان مثل مصر أو ليبيا أو تونس وحتى سوريا واليمن والعراق. من أسباب استقرار الفوضى الراهنة عدم احتواء الجماعات السياسية الفاعلة في الدول العربية، والنتيجة ستكون وخيمة، حيث باتت المجتمعات العربية خصبة وأكثر قابلية لولادة الجماعات الإرهابية التي يمكن أن تكوّن شبكة واسعة النطاق، وتفتح المجال أمام صراعات داخلية ـ إقليمية.