قبل الأزمة الأخيرة كانت هناك حاجة ملحة لإعادة تشكيل المشهد السياسي الذي يضم الجمعيات السياسية التي تأسست بموجب القانون المخصص لها. وسبب ذلك أن القانون يحظر تأسيس هذه التنظيمات على أسس إثنو ـ طائفية، وهو الواقع المر الذي شهدته البحرين سواءً لدى المكون الشيعي أو المكون السني. هذا التصحيح الملح لم يتم رغم إدراك السلطات المعنية بمتابعة شؤون الجمعيات، وطبعاً الجهات المسؤولة في وزارة العدل هي المعنية بالدرجة الأولى بتصحيح هذا الخطأ. ورغم ذلك قادنا المشهد السياسي المشوه الذي اتسم بعدم تمثيل التنوع الطائفي في المجتمع البحريني إلى أزمة عميقة مازالت تداعياتها قائمة. وعدم التصحيح نفسه أدى إلى إحداث انقسام حاد في النظام السياسي المحلي. وإذا كان تمويل حركة الانقلاب ومحاولة إسقاط النظام في 2011 تم بأيدٍ خارجية، فإن الدولة أيضاً ساهمت من زاوية أخرى ـ قد تكون غير مقصودة ـ في تمويل أنشطة هذه الجمعيات السياسية التي كشفت عن أجندتها الراديكالية من خلال القانون الذي كفل حق الجمعيات في الحصول على تمويل من الموازنة العامة للدولة. بعد الأزمة الأخيرة برزت قناعة بضرورة مراجعة المشهد السياسي سواءً من قبل المؤسسات الحكومية المعنية، أو حتى من بعض النخب في الجمعيات السياسية. التحدي الأساس إثر هذه المراجعة وظهور القناعة كانت في كيفية معالجة وجود جمعيات سياسية راديكالية، وتنظيمات سياسية كثيرة قائمة على مكونات أحادية ولا تمثل خليطاً إثنو ـ طائفياً في المجتمع. فهل التوجه نحو حل جميع الجمعيات أو بعضها؟ أم إجراء تعديلات محدودة أو واسعة في قانون الجمعيات السياسية؟عملياً، من الصعب حل جميع الجمعيات السياسية، ولكن هناك إمكانية في حل بعضها بحسب القانون، وملاحقة كوادرها حسب القانون على مخالفاتهم وتجاوزاتهم من ناحية الأجندة التي عملوا على تأسيسها وكانت طبعاً معادية للدولة، أو من ناحية الأنشطة التي قامت بها وشملت التحريض على الإرهاب والعنف السياسي. أو من ناحية أخرى تتعلق بطبيعة تكوين الجمعية القائم على صبغة مذهبية صرفة. وبالتالي خيار الحل الجماعي ليس مجدياً، بل المجدي التعامل مع كل جمعية على حده فيما يتعلق بالمساءلة القانونية على المخالفات والتجاوزات التي تمت. وفي الوقت نفسه هناك حاجة أخرى تتعلق بضرورة تعديل قانون الجمعيات السياسية ليفرض واقعاً وشروطاً سياسية جديدة لتشكيل هذه الجمعيات، على أن يتاح لكافة الجمعيات ـ ذات الوضع القانوني الصحيح ـ توفيق أوضاعها مع الترتيبات القانونية الجديدة، كإثبات التنوع الإثنو ـ طائفي في الجمعيات السياسية، وهذا دور السلطة التشريعية التي يجب أن تضطلع بالمهمة المطلوبة. مسألة إيقاف التمويل خطوة مهمة، ولكن هناك خطوات أهم، فالجمعيات السياسية الراديكالية على سبيل المثال لا يهمها كثيراً التمويل الذي تناله من ميزانية الدولة، لأن لها مصادر أخرى للتمويل السياسي معروفة ومشبوهة. ومن الخطوات المهمة فرض المزيد من القيود على الاتصالات الخارجية التي يفترض تنظيمها بحسب قانون الجمعيات واللوائح المنظمة له. فمعطيات الواقع أثبتت الحاجة لمزيد من التنظيم والتقنين للعلاقات الخارجية للجمعيات السياسية. إعادة تشكيل المشهد السياسي البحريني حاجة ملحة للأمن الوطني البحريني، وهي خطوة مهمة أيضاً لتجاوز تداعيات الأزمة الأخيرة، فتستحق الإجراء الفوري والتقنين العاجل.