الأسبوع الماضي خصصت جزءاً من وقتي لمتابعة بعض الفضائيات الدينية الشيعية والسنية، «مع تحفظي الشديد على استخدام هذين اللفظين»، بهدف معرفة ما تقدمه، وما تدعو إليه، فتبين لي بوضوح شديد أنها لا تدعو إلى الإسلام وعزته، ولا إلى نشره وإعلاء كلمته، ولكن تمارس دوراً أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه يسيء إلى الإسلام، وينفر غير المسلمين منه، ويشعل الفتنة بين المسلمين، الذين سيباهي بهم النبي عليه الصلاة والسلام الأمم يوم القيامة . ما يحدث في تلك الفضائيات عبارة عن حرب شعواء، بين أبناء الدين الواحد، فهي منصات لتبادل الشتائم، تهتم إحداها بوصف المنتمين للمذهب الآخر بأوصاف لا يقبل الإسلام توجيهها لأبناء الديانات الأخرى، بل حتى للذين لا يؤمنون بالله رب العالمين، منصات يتبادلون من خلالها الاتهامات ويسيء كل منهم للرموز الإسلامية «المحسوبة» على الآخر . إنها قمة المأساة أن يتفنن «رجال دين» في سب آل البيت والصحابة، وصولاً إلى سب بعض زوجات النبي، سباً على الملأ «استناداً» إلى القرآن والسنة! هل هذا معقول؟ يدافعون عن قناعاتهم ويحاولون إقناع الآخرين بصحة وجهات نظرهم، وكأنهم كانوا جزءاً من الحدث وبعض حاضريه، أو كأن بأيديهم أفلام وثائقية تؤكد ما يقولونه، غير مكترثين بحقيقة أنهم إنما يعتمدون على روايات «العنعنة»، وروايات اختلط فيها الدين بالسياسة. وعلى فرض أن بعض تلك القصص صحيح، وترتكز إلى رواة ثقات، ترى هل من مصلحة الدين الإسلامي نشر «هذا الغسيل» على الملأ؟ أو ليس من مصلحة الإسلام وإعزازاً له عدم ذكر تلك الروايات ومحاولة الدفاع عنها لو تم استخدامها من غير المسلمين؟ المؤسف أن «رجال الدين» أولئك الذين يتوفرون في تلك الفضائيات على مدار الساعة، يعتقدون أنهم بفعلهم ذاك إنما يدافعون عن الإسلام ونبي الرحمة، وأنهم سيصلحون الكون، وسيفاجئون بعد قليل أن جميع المسلمين صاروا على مذهب واحد، ويعتقدون بصحة روايات واحدة، وأن المذاهب الأخرى قد اختفت من الوجود بفعل «صمودهم» الذي يستحقون عليه الجنة! غير منتبهين إلى أن من يتابعهم من غير المسلمين، لا يجد وصفاً يصفهم به سوى أنهم متخلفون أو مجانين، هذا إن حرص أن يكون رده مؤدباً. قمة المأساة أن يخصص المسلمون أموالهم وعلمهم وخبراتهم لإيجاد فضائيات يتبادلون من خلالها أقذع الشتائم والاتهامات، ويسيئون إلى الإسلام وهم مقتنعون أنهم إنما يدافعون عنه، ويرفعون من شأنه. أما قمة المأساة فهي أنهم يقررون أن بعض زوجات النبي والصحابة وآل البيت يعيشون الآن العذاب الشديد، غير منتبهين إلى أنهم بقولهم هذا يكونون قد دخلوا في مساحة تخص رب العالمين!مؤلم مشاهدة تلك الفضائيات، سواء المدعومة من قبل حكومات «إسلامية»، أو مؤسسات ورجال أعمال مسلمين، أو أنها تعتمد على تبرعات «المحسنين الحريصين على نصرة الدين»، ومؤلم أكثر أن يدير تلك الفضائيات ويقودها «علماء دين»، يفترض أن يكونوا من الذين دعاهم رب العالمين إلى أن يتفقهوا في الدين، ومؤلم أكثر وأكثر أن يتابع «المسلمون» من أتباع المذهبين الكريمين تلك القنوات، التي يرى البعض أن ضررها أكبر من الضرر الناتج عن تلك المتخصصة في الرقص والمجون أو حتى المخصصة لفنون السحر وطرق التخلص منه. ما أتمناه حقيقة من المسلمين أن يتوقفوا عن المشاركة في تلك الفضائيات، وأن يمتنعوا عن دعمها بالمال أو بأي طريقة يتم دعمها بها حالياً، وأن يبادر علماء الدين في الأزهر الشريف، وفي النجف الأشرف، وفي كل مكان باتخاذ اللازم بشأنها، وفرض قرار بمنعها، أو حتى إصدار فتوى بتحريم مشاهدتها والمشاركة فيها والتبرع لها، فهي أحد أسباب الشرخ الطائفي الذي تعيشه بلادنا، ويعيشه المسلمون اليوم.