إرسال واستلام الرسائل الإعلامية عبر وسائل الاتصال لاشك أنها أصبحت الطريقة الأسرع على الإطلاق في يومنا هذا، وأكثر الموضوعات انتشاراً أكثرها استفزازاً لسكون المستلم أو المتلقي. الأسبوع الماضي استلمت فيلماً قصيراً «يوتيوب» على هاتفي الجوال مع رابط الفيلم، بعنوان «وصول الماتادور إلى البحرين»، للتوضيح «الماتادور هو الشخص الذي يقوم بمصارعة الثيران»، هذه الرياضة المشهورة في إسبانيا وأمريكا اللاتينية والمكسيك. وبالرغم من عدم اهتمامي بهذا النوع من الرياضة العنيفة إلا أنني قررت مشاهدة المقطع معتقدة أنه إعلان ترويجي لعرض سوف يقدم في المملكة، كنت أنتظر فتح الرابط وأنا مستهجنة الفكرة لأن هذه رياضة غير إنسانية أبداً، وصرت أفكر بالمقر المعقول لممارسة هذه اللعبة الجديدة على أرضنا، ومن هم جمهورها، وكم ستكون الكلفة الإجمالية لمثل هذه اللعبة المثيرة؟ مع أن اللباس الأسود المطرز باللون الذهبي الذي يرتديه «الماتادور» فيه كثير من الذوق والفن ومنسجم مع لون القماش الأحمر الذي يمسكه بيديه.فتحت الرابط إذ الحقيقة مغايرة كلياً. لا يوجد «ماتادور» ولا ثيران ولا حلبة ولا جمهور ولا بساط أحمر ولا بطاقات دخول ولا موعد برنامج ولا دعاية إعلانية وإنما شابان في صف بإحدى المدارس الحكومية يتصارعان في الصف ويرميان بعضهما بالطاولات والكراسي. نعم للأسف وبالفعل كل واحد كان حاملاً كرسياً وطاولة ويتراشقان بهما، وكأنما يرميان بعضهما بالورد والفل والريحان، والتلاميذ كانوا متجمهرين في الصف ومنقسمين إلى فريقين، كأنهم يشجعون في مباراة «الكلاسيكو» بين برشلونة وريال مدريد!!صحيح أن هذا المشهد من الممكن ألا يكون جديداً، ولكن الغريب في الأمر أن مدة المقطع 5 دقائق، وخلال الفترة الزمنية كاملة لم يظهر أي فرد من أفراد الطاقم التعليمي أو الإداري ولا حتى من عاملي النظافة في المدرسة.هذا يضعنا أمام مجموعة من التساؤلات التي مهما تهاونا بها تكون النتيجة أن هذا الأمر غير مقبول ولا يمكن السكوت عليه، ومن يعتقد أن الكلفة ستتمحور حول تغطية تكاليف التكسير يكون على خطأ تام للأسف، التكاليف ستحسم مباشرة من سمعة التعليم الحكومي، فقد وصلنا إلى الزمن الذي نترحم فيه على أيام كان حجم المشاغبات لا يتعدى رمي قلم من طالب على آخر، أو التراشق بالطباشير، أو إظهار أصوات وإخفاء من الفاعل، والضحك بصوت عالٍ والتستر على الفاعل، وإذا فضح أحد الأمر يكون عقابه الانتظار في ساحة المدرسة بعد الدوام محاولين تلقينه درساً. ولكن ما أن يبدأ الصوت بالارتفاع قليلاً عن حده الطبيعي حتى تجد الطاقم التعليمي والإشرافي حضر إلى موقع الحدث وأخذ بتوجيه العقوبة على الفاعل حتى ولو حدث هذا الأمر خارج سور المدرسة، باعتبار أن الطلبة هم أبناؤنا الذين يجب أن نوجههم للأفضل ونعاقبهم ونحسن تأديبهم لنضمن لهم مستقبلاً نظيفاً خالياً من الظواهر الدخيلة على مجتمعنا والتي من الممكن أن تدمرهم.ورحم الله الشاعر الكبير أحمد شوقي عندما قال: وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبواوإذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتماً وعويلاصلاح أمرك للأخلاق مرجعه فقوّم النفس بالأخلاق تستقم