كنت أتوقع أن يغير الأستاذ محمد حسنين هيكل موقفه من إيران بعد أن اشتكت أكثر من دولة عربية من التدخلات الإيرانية وبعد أن برز النفوذ الإيراني بمستوى يهدد الأمن القومي العربي، ولكن هيكل في لقائه الأخير على قناة cbc مازال مؤمناً أن إيران دولة جارة وعمق استراتيجي عربي مهم وليست دولة عدوة.تنطلق مبادئ الأستاذ هيكل والكثير من التيارات القومية العربية من أن العدو الحقيقي للأمة هو إسرائيل وأمريكا ومن يتحالف معهما مثل تركيا، بينما إيران دولة قطعت علاقتها مع إسرائيل مع قيام الثورة سنـــة 1979م، ودعمـــت القضيـــة الفلسطينية وأقطــــاب المقــاومة ضد إسرائيل. ويستند هيكل في موقفــــه على ازدواجيـــة الموقف الخليجي مــن العلاقة بإيـران، ففـي حين تقيم دول الخليــــج كافة علاقات دبلوماسيـــة كاملة مع إيران وتستقبل القادة الإيرانيين وتتصاعد نسبة التجارة معها، فإن دول الخليج تطالب مصر بعدم إقامة إي علاقة بأي مستوى مع إيران!!ونحــــن إذ نعتـــــرف بمسؤوليـــــة حكومات خليجية في إضعاف موقفنا في قضايانا العادلة تجاه إيران نتيجـة ازدواجيــة الخطـــاب واضطراب السياســـات الخارجيــــة، إلا أن المسؤولية تقع كذلك على النخب المثقفة والمفكرة الخليجية التي لحد الآن لم تتمكن من صياغة حقيقة الخطر الإيراني وامتداد نفوذ مشروعه على العروبة وعلـــى المواطنـــة بالصـــورة الموضوعيـة والمتزنـــة التـــي تتجـــاوز الطــــرح المذهبي، والتـي تخاطـــب النخـــب المفكرة المؤثرة في الوطن العربي.لحد الآن لم نتمكن من تفسير القضية الأحوازية وقضية الجزر الإماراتية بأنهمـا قضيتـــا احتـــلال تهددان الجغرافيا العربية، ولم نستطع طرح مشكلة البحرين بأنها تهديد لعروبة دولة تمتد جذورها في عمق التاريخ العربي، ولم نستطع أن نثبت أن نظام ولاية الفقيه يجعل من المواطنين الشيعة في كل بلد عربي رعايا إيرانيين يأخذون توجيهاتهم من المرشد الأعلى للثورة في إيران، ليس في الشأن الديني فحسب بل حتى في التزامهم بالقوانين المدنية للدولة مثل ما حصل في البحرين في مشروع الأحوال الشخصية الجعفري، مما يجعل جماعات مسلحة مثل حزب الله والحوثيين وغيرهم دولاً داخل دولهم مهددين بذلك مبدأ المواطنة.يصعب أن تكون إيران دولة حليفة وهي صاحبة مشروع طامح تتفاوض من أجله مع الأمريكان مثلما حدث في العراق، ومثلما يحدث الآن في سوريا، (والمفاوضات) لا تقل خطراً عن (المعاهدات) فكلاهما تجعلنا أيتاماً على مائدة اللئام. ومن المؤسـف أنه في ظل التشتت والضعف العربي الخطير، وفي ظل افتقاد نظرية متكاملة للأمن القومي العربي، وفي ظل غياب أي مشروع قومي عربي فإن دول الجوار مثل تركيا وإيران لن تكون دولاً حليفة، بل دولاً مهددة للمستقبل العربـــي ومتحالفـــة أو متفاوضـــة مع إسرائيل والغرب على تقاسم مصالحها في ربوعنا على حساب أمننا ومصيرنا.
Opinion
عفواً أستاذ هيكل.. لدينا مشاكل حقيقية مع إيران
21 أبريل 2013