ما أن يشعر ذلك البعض الرافض لأي حل للمشكلة البحرينية - التي باستمرارها تتعقد وتستعصي على الحل وتزداد أطرافها - بأن تطوراً موجباً على وشك الحصول في حوار التوافق الوطني الذي توافق العالم بأسره على أنه المخرج الوحيد لمشكلة البحرين فإنه يسارع بتوجيه العتب واللوم وصولاً إلى النقد والنقد اللاذع وإصدار شهادات التخوين لجمعية الوفاق والجمعيات السياسية الأخرى التي اتخذت قرارها بالدخول في الحوار، فمشاركة هذه الجمعيات التي يشار إليها اليوم بـ «المعارضة الناعمة» حولها إلى هدف لـ «المعارضة الخشنة» التي من الواضح أنها لا تريد للبحرين أن تخرج من الحال التي صارت فيها وتصر على الاستحواذ على كل شيء وتنفيذ كل ما يدور في رأسها ووضعته في مخططها. هذه «المعارضة» تعلم جيداً أن نجاح الحوار يعني وصولها إلى شفا الهاوية والسقوط، فهي ترفع شعار «إسقاط النظام» لا إصلاحه، وتعلم أن تحقيق أي تقدم في الحوار يعني بداية نهايتها وليس مجرد «تأجيل النصر المؤزر» حسب تعبيرها. هذا لا يعني أن «الوفاق» ومن صار معها تقف ضد هذه «المعارضة»، فالفريقين في نهاية الأمر يسعيان إلى إحداث « تغيير كبير» يحلمان به، ولكنها في بعض وجوهها على الأقل تهتم بأن تبدو مصرة على الإصلاح وأن تبدو مسالمة، وإلا لما شاركت في الحوار الأول «بغض النظر عن انسحابها منه نتيجة تقدير غير موفق لتطورات الساحة والأوضاع آنذاك»، ولما أقدمت على المشاركة في الحوار الحالي. المتابع لتصريحات «المعارضة الخشنة» يلاحظ أنها على وشك اتخاذ موقف صارم من الوفاق والجمعيات السياسية الأخرى المتوافقة معها، فمرة يتهمونها بالتراجع عن ثوابتها وموقفها من دستور 2002، وأخرى يتهمونها بالبحث عن مصالح شخصية، وثالثة ورابعة وخامسة بتحولها من «معارضة ناعمة» إلى «عميل» للسلطة، وتهديدها بأن الناس سينفضون من حولها لو واصلت «خطوتها الجريئة»، ولم تنسحب من الحوار، خصوصاً وأن الشارع لم يعد منقاداً لها، وصار يطرب لشعارات «إسقاط النظام»، ما يشكل ضغطاً كبيراً على الجمعيات السياسية، ولعل هذا هو ما دفع الشيخ علي سلمان ليدعو في مهرجان الوفاق الأخير في سار إلى زيادة الوحدة بين الفصائل السياسية «المناضلة» والتعاضد ودعم الفعاليات التي تنظمها «مختلف القوى»، في إشارة واضحة إلى «ائتلاف فبراير» الذي بات مسيطراً ويتحكم في الشارع ويقوده بدلاً عن «الوفاق» والجمعيات السياسية الأخرى التي تتميز عنه بالخبرة والنظرة الأقرب إلى الواقعية وإن شابها نقص وخلل. هل ستشهد الساحة مواجهة بين «المعارضة» بنوعيها الناعم والخشن؟ وهل سيتوقف الأمر عند توجيه الانتقادات وتبادل الاتهامات أم أن الأمر سيتطور إلى الحد الذي يقوم فيه «الخشنون» بإشعال النيران في إطارات السيارات أمام مبنى الوفاق والجمعيات السياسية الأخرى التي صارت معها وصولاً إلى التراشق بزجاجات المولوتوف؟ لست مع من يقول إن الفئتين من «المعارضة» متفاهمتان وتتبادلان الأدوار، وأنهما إنما يتظاهران أمام العالم ليتسنى لهما المناورة، وأنهما وجهان لعملة واحدة، فعلى الأقل في هذه المسألة التي نناقشها هنا يبدو أن الاختلاف في وجهات النظر والمواقف حقيقي، حيث المعارضة في أي مكان لا يمكن أن تفتح على نفسها باباً يمكن للآخر أن يستغله ضدها، فالمناورة باستخدام هذه الأداة فيها مغامرة كبيرة.الانتقادات التي توجه للمعارضة الناعمة من الخشنة حقيقية، وتعبر عن عدم رضى وغضب، لكن الواقع يقول أيضاً إنه من المستبعد أن يشكل ذلك فرصة لإضعاف «المعارضتين»، ويقول أيضاً إنه إن زادت الضغوطات على الجمعيات السياسية فإنها ستؤثر الانسحاب من الحوار على شق صفوفها، فقد لجأت إلى مثل هذا القرار في مرات سابقة ولن تقبل أن تكون ضد الشارع وإن قل رصيدها فيه.
Opinion
قصة الهجوم على الوفاق
03 أبريل 2013