كلما اقتربت أكثر من التجارب الروحية العالمية شعرت أن هناك من القضايا الحياتية التي علينا التخلص منها، ليكون واحدنا أكثر قرباً من ذاته، من روحه الطاهرة الشريفة النظيفة، والتي لو تركت بعيداً عن برمجة الأهل والمدارس والمجتمع والإعلام لوصل بنا الأمر أن نكون جميعاً من ملائكة؛ نحمل المحبة وننثرها في الأرض الواسعة، ليتحول كل ما فيها إلى حب كوني يسبح بالحمد لله عدد ما كان وعدد ما هو كائن وعدد ما سيكون وعدد الحركات والسكون.إن البرمجة التي نتعلمها، هي الثنائيات في كل شيء، رغم أنها تفيدنا لبعض الوقت للتعرف على ما حولنا إلى مرحلة سن الرشد، إلا أنها بعد ذلك تسيطر على عقولنا، تحولنا إلى عبيد لها، لذلك نسمع من يقول: الليل والنهار والظالم والمظلوم، والجيد والسيئ، والعبد والسيد، والجلاد والضحية، والخير والشر، ولا يدرون أنه لا الليل سابق النهار ولا النهار سابق الليل، وأن في كل شر ثمة خير وفي خير ثمة شر. قبل فترة قرأت كتاب «تخلص من عقلك» لفنان الكاريكاتير المعروف والكاتب والمحاضر في التنمية البشرية شريف عرفة، والكتاب صادر عن الأفق، يبدأ الكتاب بالتساؤل الصادم: لماذا نحن متخلفون؟هناك 3 نظريات للإجابة على هذا السؤال:- الوراثة: هناك شعوب أكثر ذكاءً من غيرها بالفطرة، وهذه نظرة عنصرية ومرفوضة.- المكان: بعض البلاد تؤهلها جغرافيتها «موقعها، مواردها، مناخها..» لأن تكون أكثر تقدماً من غيرها، جغرافية البلد قد تكون عاملاً في تقدمه، لكنها أبداً ليست العامل الوحيد أو الأهم لأن هناك بلاداً ذات موقع متميز وغنية بالموارد ومع ذلك متخلفة.- الثقافة: أي طريقة تفكير الناس، والناس صنفان؛ صنف يكتفي بالشكوى ولوم الناس والظروف وصنف إيجابي يغير ما لا يعجبه، وهؤلاء يمثلون أغلبية الشعوب في البلاد المتقدمة.والرأي الأخير هو الذي يتبناه الكتاب، لذا يتناول بعض المعتقدات السلبية التي تؤدي لتأخر العالم العربي، لنكتشف أن الحل يكمن في داخل كل واحد فينا.في الواقع ما شدني للكتاب هو عنوانه «التخلص من العقل» ما هو معناه؟ وكيف يمكن أن تكون بلا عقل؟ كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ في الختام أتفق مع الأستاذ محمد صفوت الذي أعد مقالاً جميلاً بعنوان «تخلص من عقلك واستمتع بالحياة»، حيث يقول إن هناك الكثير من الشوائب في ثقافتنا إلا أنها شوائب في سبيكة لامعة من الذهب الخالص، لا توجد شعوب في العالم تؤمن بهذا الكم العظيم من القيم النبيلة التي نؤمن بها، لكن حان الوقت للتخلص من عقولنا التي تشدنا إلى الوراء ونستبدلها بعقول محللة ومبدعة.تخلص من عقلك معناه في نهاية الأمر هو تخلص من الثنائيات، تخلص من الماضي، تخلص من الأفكار السلبية، كن كما خلقك الله، قدر نعمة ولادتك على هذه الأرض، في هذا المكان، وفي هذا الزمان، وفي هذه العائلة. قدر ما تعيش فيه من نعمة وخير، فأنت الآن هنا، أعطاك الله من خيراته ما يحلم به في جغرافيا الأرض، ملايين من الناس في نفس عمرك. قدر نعمة وجودك.