قبل أن أذهب إلى صلب الموضوع؛ هناك أمر يجب أن نؤكد عليه، خصوصاً فيما يتعلق بالوظائف في البحرين، فأهل البحرين بشكل عام مع حق الوظيفة للمواطن بعيداً عن الانتماءات الدينية أو المذهبية أو العرق واللون، فغالبية أهل البحرين مع إعطاء الوظيفة للمواطن الذي يعمل لمصلحة وطنه، ولا يسيس العمل ولا يتلقى توجيهات دينية بالإضراب أو نحو ذلك، من يعمل لوطنه بعيداً عن كل ذلك هو أهل للوظيفة إذا ما افترضنا الوطنية والكفاءة العلمية والعملية، هذه قاعدة يجب أن ننطلق منها.قبل أيام نشرت صحيفة «الغولف ديلي نيوز» البحرينية دراسة خطيرة للغاية حول واقع التوظيف والسيطرة على الوظائف بوزارات الدولة، أو من خلال الشركات والبنوك الكبيرة، إذ أظهرت الدراسة بالأرقام حجم الكذب والافتراء الذي تطلقه جمعيات سياسية تعزف على وتر الطائفية من أجل أن توهم الدولة والمجتمع بالمظلومية، وبالتالي يتم السيطرة على مفاصل الدولة بمنحهم وظائف أكثر وأكبر.كما قام موقع «بوابة البحرين» الإلكتروني مشكوراً بنشر الدراسة مترجمة.. فلهم الشكر.الدراسة التي أطلق عليها (الحرب الديمغرافية) أعدها باحث مستقل من جامعة براغ بجمهورية التشيك، هو الدكتور ميتشيل بيلفر رئيس قسم العلاقات الدولية والدراسات الأوروبية بجامعة ميتروبوليان ببراغ، الباحث يعكف الآن على إعداد كتاب عن البحرين، بينما استغرقت الدراسة 18 شهراً.الباحث قال في أسباب تبنيه لهذه الدراسة هو تفنيد ادعاءات ما يسمى بالمعارضة الطائفية بضعف التمثيل الشيعي في الوظائف والحياة الاقتصادية والتجارية والمميز ضدهم في الأجور (وهذه الادعاءات يعرف المواطن البحريني أنها محض كذب).رغم أن هناك وزارات لم تشملها الدراسة، فقد أجريت الدراسة على ست وزارات، وأكبر خمس مؤسسات حكومية، 17 قطاعاً من قطاعات الدخل العالي وخمسة بنوك كبيرة، و10 من كبريات الشركات المملوكة لمواطنين شيعة.كما أظهر الباحث أن هناك تمييزاً ضد السنة في أكبر 10 شركات مملوكة للشيعة، وقد كانت النسبة صادمة للجميع؛ حيث جاءت النسبة في هذه الشركات لتشكل 2% للسنة مقابل 98% للشيعة، أي أن الشركات الكبيرة المملوكة للشيعة لا يوظفون السنة!نأتي الآن إلى الوزارات الست التي شملتها الدراسة وهي؛ وزارة الصحة، وزارة الأشغال، وزارة البلديات، وزارة العدل والشؤون الإسلامية، وزارة المالية، ووزارة التربية والعليم.جاءت النسبة في وزارة الصحة كبيرة وصادمة جداً؛ حيث شكلت نسبة الموظفين السنة 17% فقط مقابل 83% للشيعة. ولا أريد هنا أن أزيد على ما جاء بالدراسة، خصوصاً أن وزارة الصحة كانت إحدى بوابات الانقلاب الفاشل.أما في وزارة الأشغال؛ فشكل السنة نسبة 28% بينما كان للشيعة 72%.وفي وزارة البلديات كانت نسبة السنة 25% مقابل 75% للشيعة.وفي وزارة العدل والشؤون الإسلامية كانت النسبة 48% للسنة مقابل 52% للشيعة.وفي وزارة المالية 79% للسنة مقابل 21% للشيعة.وفي وزارة التربية والتعليم وهي إحدى أكبر بوابات الانقلاب الفاشل كانت نسبة السنة 35% مقابل 65% للشيعة!وتطرقت الدراسة إلى أن هناك نسبة كبيرة من الشيعة ليسوا مع ما تقوم به الجمعيات السياسية، ويرون أن ذلك يؤثر على وظائفهم واقتصاد البحرين بشكل عام.قبل أي تحليل لهذه الدراسة فإن من أهم مميزاتها أن من قام بها ليس شخصاً أو جهة بحرينية، وهذا أمر جيد لحياد الدراسة، غير أن ما كشفته الدراسة من أرقام في وزارات كبيرة مثل الصحة والتربية والتعليم والأشغال والبلديات كان صادماً للغاية، فهذه أكبر الوزارات التي ترصد لها ميزانيات كبيرة.منذ زمن طويل ونحن نسمع بكائيات التمييز من أناس بعينهم، وكان الهدف من ذلك الاستيلاء على الوزارات الهامة من الداخل، وبالتالي الهيمنة على مخرجات وأعمال الوزارات لتسييرها باتجاه معين.نسبة وزارة الصحة أعتبرها كارثة حقيقية؛ حتى وإن ذهب بعض الوزراء في وزارة الصحة مؤخراً إلى تغيير التوظيف في مكاتب الوزير حتى يشعر الزائر أن الأمور طيبة.نسبة وزارة الصحة والبلديات والتربية والأشغال تحتاج إلى وقفة حقيقية، فهناك تمييز ضد سواد كبير بالمجتمع، وهذا فيه ظلم كبير، وكما إن الدولة حتى اليوم لم تتعلم من كارثة الانقلاب الفاشل، فالسيطرة على الوزارات المهمة هدفها إصابة الدولة بالشلل حالما يطلب الولي الفقيه ذلك.حين قلنا إن جزءًا كبير من الانقلاب جاء من تحت يد الدولة فإن ذلك لم يكن تجنياً، غير أن هناك نسبة استوقفتني أيضاً؛ وهي نسبة توظيف الشركات الكبيرة المملوكة لشيعة، فقد اتضح بشكل كبير من الذين يميزون في الوظائف، 2% فقط نسبة توظيف السنة في الشركات المملوكة للشيعة، هل تريدون شرحاً أكثر من هذه النسبة على ما يجري من تمييز ضد السنة.كنت أتمنى أن تشمل الدراسة وزارتي العمل والصناعة والتجارة، ووزارة العمل تحديداً وزارة شبه مغلقة، ولو شملتها الدراسة لكشفت حجم التمييز فيها أكثر مما نعرفه عنها.الدراسة أيضاً أظهرت أن من يتسلمون رواتب كبيرة في المؤسسات والهيئات والشركات يشكل الشيعة منهم نسبة كبيرة (وقد نستعرض بقية الدارسة لاحقاً).من أخطر الأمور التي حدثت لنا في البحرين ومن تحت يد الدولة وبرعاية وزراء بعينهم ما حدث في وزارة التربية على تعاقب الوزراء، حتى أصبحت الوزارة في 2011، التربية والصحة، أهم ثكنات الانقلاب.حين يتم تسييس التعليم أو أن تقوم الوزارة بتوظيف مدرسين ومدرسات مؤدلجين، أو أنهم يميزون بين الطلبة والطالبات، ويزورون الدرجات لصالح أناس على حساب أناس للاستيلاء على البعثات، التعلم بوابة الانقلاب الكبيرة.أما إذا ما تمت صفقات جديدة على حساب وزارات أو مناصب عليا، فإن الانقلاب القادم لن يأخذ عشر سنوات؛ إنما أقل من خمس.كل هذه الدراسات إنما هي دروس يجب الاستفادة منها، لكن من لم يعلمه درس 2011 لن تعلمه عشرات الدراسات!.