ليست حركة «حق» وحدها التي تدعو «الوفاق» ومن صار تحت مظلتها من الجمعيات السياسية التي رافقتها إلى طاولة الحوار الوطني للانسحاب من الحوار، فكل الحركات الأعضاء فيما صار يعرف بـ «ائتلاف شباب 14 فبراير»، وخصوصاً أولئك الذين اختاروا العيش في الخارج، يدعون الجمعيات المشاركة في الحوار للانسحاب منه، بل ويضغطون بكل الوسائل كي تستجاب دعواتهم. هؤلاء أعلنوا بصريح العبارة أنهم يرفضون الحوار ومخرجاته، وكل ما قد ينتج عنه، فحركة «حق» قالت بوضوح «ندعو الرموز الوطنية والقادة السياسيين في الجمعيات المحاورة للانسحاب مما يسمى بالحوار حفاظاً على وحدة الصف والكلمة»، وقال غيرها مثل ما قالت. أما واقع الحال فيقول إن «الوفاق» ومن معها يمكن أن تنسحب من الحوار في اللحظة التي تقدر أن الانسحاب يخدمها، ويعزز من وضعها ومكانتها في الشارع، الذي لم يعد لها أية سيطرة عليه أو مكانة، فالذي هو واضح الآن أن الانسحاب أمر محتوم، خصوصاً بعدما اكتشفت الجمعيات الخمس أن من يشاركها الطاولة ليس هيناً، وأن استمرارها سيخسرها الشارع الذي لا تحب أن يكون بيد غيرها، لأنها تعلم أن جوابه لها هو «ارحلوا»!لست متشائماً فأنا بطبعي متفائل، وأتمنى ككثيرين غيري أن يستمر الحوار ويصل المشاركون فيه إلى توافقات تؤدي إلى إخراج وطننا من الحال التي صار عليها، لكن تطورات الأوضاع والضغوط التي تمارسها تلك الحركات على الجمعيات «المعارضة»، وضعف هذه الأخيرة وخشيتها من فقدها الشارع إضافة إلى معرفتها الأكيدة أن «ائتلاف فبراير» لن ينفذ ما سيتم التوافق عليه، وسيدعو الشارع إلى الانقلاب عليه وعليها، كل هذا يجعل فكرة استمرار «الوفاق»، ومن معها من جمعيات في الحوار شبه مستحيلة.اليوم الجمعيات الخمس وعلى رأسها «الوفاق» في ورطة، فهي إن استجابت لدعوات الانسحاب أكدت ضعفها، وأكدت أنها و«ائتلاف فبراير» وجهان لعملة واحدة، وإن استمرت في الحوار خسرت قواعدها، لأنها لم تعد «تطرب» الشارع الذي صار مهووساً بقطع الطرقات وإضرام النيران في إطارات السيارات، ورمي زجاجات المولوتوف الحارقة، على الشرطة وتعطيل حياة الناس. لو تصورنا الجمعيات المعارضة الخمس رجلاً لوجدناه «مفوشحاً» يضع رجلاً هنا والأخرى هناك، وهذا لعمري موقف لا تحسد عليه، ويعبر عن قلة خبرة في عالم السياسة، التي يضيع فيها من ليس له فيها «مريال»، «اعتقادي الشخصي هو أن الجمعيات اليسارية في البحرين هي الوحيدة بين الجمعيات السياسية المرخصة وغير المرخصة التي تمتلك خبرات تراكمت على مدى السنين الماضية تؤهلها لخوض جلسات الحوار، ذلك أن الجمعيات والحركات السياسية الأخرى إما أنها جديدة على «الكار»، وتعتمد في تعاطيها على العواطف، مستفيدة من درجة التدين لدى البسطاء، أو أن حماسها ومراهقتها يقودانها فتبدو كما السكران يعتقد «اليسار» يميناً !». أرجو ألا يفهم هذا على أنه تقليل من شأن أحد، فأنا أحترم الجميع، ولكني أتحدث عن العمل السياسي الذي يتطلب خبرات سابقة، وتجارب وقدرة فائقة على المناورة والإقناع، فهذه الأمور والصفات غير متوفرة في «الوفاق» والجمعيات المعارضة باستثناء الجمعيات اليسارية، لكن هذه الأخيرة للأسف أرغمتها الظروف على تسليم رأسها للجمعيات الأقل خبرة والأقل تجربة فضاعت معها. مؤلم حال العمل السياسي في البحرين، حيث الأكثر خبرة وتجربة صار يدار من قبل الأقل خبرة وتجربة، وصار هذا وذاك دون القدرة على مواجهة شباب فاقدين لهذه وتلك، بل صاروا يجارونهم في محاولة بائسة كي لا يخسروا مناصريهم ويخسروا كل شيء، ويقال لهم «ارحلوا»! هكذا يقول الواقع وإلا لما تمكنت حركات «حق» و«وفاء» و«خلاص» و«أحرار البحرين» من السيطرة على الشارع والضغط لتخريب الحوار.