المرأة هي سر الوجود، وهي ذات خصائص خمس؛ فهي الأم والأخت والزوجة والبنت والزميلة في العمل، وهذه الخصائص الخمس تشترك فيها مع الرجل على قدم المساواة، ولعل الدقة القرآنية العظيمة تتجلى في قوله تعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) الآية (13) سورة الحجرات، ومن هنا تبرز أهمية المرأة في كونها حاضنة البشرية من الجنسين، وقد اهتمت المجتمعات البدائية بالمرأة اهتماماً كبيراً، ولعبت المرأة في منطقة الخليج العربية والمرأة في الدول الاسكندنافية دوراً متشابهاً؛ فكلاهن واجهن مشكلة غياب الزوج في صيد اللؤلؤ في الخليج أو في صيد الأسماك في حضارة الفايكنج، كذلك المرأة الريفية في مصر والمرأة البدوية في الجزيرة العربية. ومن هنا فإن الاهتمام الحديث بقضية المرأة وما أطلق عليه التمكين هو اهتمام في موضعه، وإن جاء متأخراً، ولقد واجهت المرأة في العصور المظلمة في أوروبا وفي الهند، كما في عصور الاضمحلال في الحضارة الإسلامية، معضلة الإقصاء والاستبعاد، فكانت تحرق نفسها بعد وفاة زوجها في الحضارة الهندية، وكان يتزوجها الأخ إذا مات زوجها لحمايتها ورعاية أطفالها في مصر، وربما في دول عربية أخرى، وكانت معزولة فيما أطلق عليه «الحرملك»، أي مكان لقاء السيدات بعيداً عن الرجال في الدولة العثمانية. ونسي كثيرون أن الله جلت قدرته قد أنصف المرأة في كتابه العزيز وخصص لها أكثر من سورة من سور القرآن الكريم «سورة النساء»، «سورة الممتحنة»، «سورة مريم»، «سورة المجادلة» وغيرها، كذلك تحدث عنها في العديد من السور القرآنية الأخرى.ولقد بحثت أثناء متابعتي منذ السبعينات والثمانينات من القرن الماضي كثيراً من الجوانب التي تتعلق بالمرأة ووجدت العشرات من المؤلفات باللغة الانجليزية، بل إن بعض الجامعات خصصت مقررات دراسية عدة لدراسة قضايا المرأة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية، بينما نحن في العالم العربي لم نكن نواكب التطورات إلا في العقد الأخير من القرن العشرين عندما ظهر التجمع العربي المسمى « منظمة المرأة العربية»، وحركة السيدات الأوُل في الإطار العربي، وظهرت عدة جمعيات غير حكومية في العديد من الدول العربية.وقد كتبت بعض مقالات نشرت في بعض صحف البحرين عن المرأة ودورها في الإصلاح السياسي لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وعن دور الأميرة سبيكة بنت إبراهيم أثناء رئاستها لمنظمة المرأة العربية. وفي تقديري، إن الاهتمام العربي بالمرأة افتقد ثلاثة أمور؛ الأول: صدور مؤلفات وأبحاث علمية عن المرأة. الثاني: الربط بين الإصلاح السياسي وتمكين المرأة. الثالث: بروز دور المرأة المستقل في مناهج التعاليم الجامعي. من هنا رحبت بالإشراف على رسالة الماجستير للأستاذة الصحافية بثنية خليفة قاسم عن «أثر الإصلاح السياسي على تمكين المرأة البحرينية» باعتباره من الكتب القلائل، إن لم يكن أول كتاب يتناول الربط بين تمكين المرأة في البحرين والإصلاح السياسي. لن أتناول مضمون الكتاب ولكنني أشير فقط لثلاث نقاط: الأولى: أنه يقدم بحثاً علمياً شاملاً لعملية الإصلاح السياسي ولتمكين المرأة ولدور المجلس الأعلى للمرأة تفصيلاً. الثانية: أنه يقدم رؤية واضحة لمعنى الإصلاح السياسي ولمعنى تمكين المرأة والمؤسسات العديدة في مملكة البحرين في هذين المجالين. الثالثة: أن اللجنة التي ناقشت رسالة الماجستير منحتها الدرجة العلمية بتقدير امتياز لما اتسمت به الدراسة من تعمق في المفاهيم واستقصاء للبحث ورؤية واضحة للباحثة وكانت مكونة من الدكتورة ودودة بدران، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة والأمين العام لمنظمة المرأة العربية، والأستاذ الدكتور خلف الميري أستاذ التاريخ الحديث في جامعة عين شمس، وكاتب هذه السطور بصفته مشرفاً على الباحثة ورئيسا للجنة المناقشة. من هنا، فإنني أدعو كافة المهتمين بقضايا الإصلاح السياسي وقضايا المرأة للاطلاع على هذه الدراسة العلمية المتميزة والبناء عليها بدراسات تعزز الفهم العربي وبخاصة في مملكة البحرين عن الإصلاح السياسي وتمكين المرأة. كما أدعو وزارة التربية والتعليم ووزيرها النشط الدكتور ماجد النعيمي، ووزارة الثقافة ووزيرتها المتميزة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، ووزارة التنمية الاجتماعية ووزيرتها الأستاذة الجامعية الدكتور فاطمة البلوشي، لتشجيع إجراء دراسات جديدة في هذا المجال وإبداء الاهتمام اللازم بالباحثة وكتابها الرائد في هذا المجال، كما أدعو جامعة البحرين تحت رئاسة الدكتور إبراهيم جناحي لبلورة منهج دراسي لقضايا المرأة يُضم للمناهج الدراسية الأخرى حتى تكون الجامعة سباقة في هذا المجال على غرار المناهج المماثلة في الجامعات الأمريكية والأوروبية، ولو تحقق ذلك تكون تلك المؤسسة العلمية مواكبة للفكر الإصلاحي لجلالة الملك وللنشاط الدائم لصاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم. إن المرأة البحرينية من الطائفتين الكريمتين كانت سباقة في النشاط الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والسياسي، ومن ثم فإنه من الضروري أن تعطى حقها من الاهتمام والبحث العلمي، وليس بالضرورة من المرأة الباحثة، إنما من الرجل أيضاً، ولقد كان قاسم أمين هو رجل سابق لعصره في الاهتمام بقضايا المرأة، كما كان رفاعة الطهطاوي المفكر المصري المسلم من السابقين في هذا المجال، يكفي أن أشير إلى أن وثيقة زواجه تضمنت حق المرأة في الطلاق منذ أواخر القرن التاسع عشر، وهذا يعني أن رفاعة الطهطاوي الأزهري الصعيدي كان متمكناً من فهم الإسلام وروحه، وهذا يجعلنا نتطلع للبحرين وقيادتها الرشيدة لمزيد من رعاية المرأة والباحثة بوجه خاص تشجيعاً للبحث العلمي في قضية نصف المجتمع التي تهم المجتمع بأسره.