لا يمكن لأي تغيير أن ينجح في عالمنا العربي نحو الأفضل، سواء على مستوى تطلعات الشعوب أو حتى الأنظمة، إذا أصرت الولايات المتحدة الأمريكية، على أن لا يكون ذلك الإصلاح والتغيير مهَدِداً لمصالحها الاستراتيجية في المنطقة العربية، أو أن لا يمر عبر بوابتها، وإلا سيظل كل شيء معلقاً حتى إشعار آخر.إن رغبة الشعوب وحتى الحكومات العربية لا يمكن أن تتجاوز السيِّد الأمريكي في أي حال من الأحوال، هذا الواقع، سواء استطعنا تغييره بكسر الإرادة الأمريكية أم لم نستطع، وسواء آمنَّا به أم كفرنا، سيظل الأمريكي هو سيد القرار والكلمة، على الأقل في ظل ما تتلبسنا فيه اللحظات والمواقف السياسية العامة في عالمنا العربي.بقدر إصرار واشنطن على تخطي كل الإرادات الشعبية والرسمية، ستصر الشعوب ومعها الكثير من الانظمة على فك الإرتباط بها وبمعتقداتها السياسية والأيديولوجية، حتى تؤمن السيِّدة المتغطرسة بحق تقرير مصير الشعوب والأوطان بالطريقة التي يريدونها.اليوم، أحالتْ السياسة الآحادية لواشنطن، كافة بقاع الوطن العربي إلى خراب، وها هي اليوم تتفرج عمَّا تنتجه فوضى مخاض المشهد العربي السياسي في فصله الأخير، لتبني عليه فرضياتها وقواعدها واستراتيجياتها طويلة الأمد، ولسنا على يقين، بأن كل ما يحصل من فوضى، هي فوضى خلَّاقة بطبيعة الحال، ذلك لمعرفتنا المبدئية بنوايا العم سام، ولا ينبئك به غير هنري كيسينجر.بدأت تتسرب بعض المعلومات من هنا وهناك، بأن كل ما يحصل في الوطن العربي ومنذ أكثر من عقدين من الزمان، سواء كان عملاً صالحاً أم ذنباً كبيراً، هو عمل معد له سلفاً من داخل أروقة البيت الأبيض، لأن التريليونات التي تنتظر واشنطن من خلال إفساد الوطن العربي، لن تملأ عيونها، لأنها تؤمن أنه كلما انفتح بئر للنفط ستقول لنا «هل من مزيد؟»!في اللحظة التي فيها تبيع واشنطن طائـــــرة مــــن طائراتهــــا الحربيــــة، والمشهورة بـ «B-2 Spirit»، والتي يُقدَّر ثمنها بأكثر من 2.4 مليار دولار، للدول العربية، مازالت هنالك الكثير من المناطق العربية لم تصلها خطوط الكهرباء ولا الماء ولا توجد بها مدارس حتى الآن. هذه الطائرة التي ضربت العراق في يوم من الأيام، يعتبر ثمنها أغلى من ملايين العراقيين الذين يفتشون في المزابل عن كسرة خبز لهم ولعيالهم، ثم يتحدثون لنا بكل صلافة في الـ «سي إن إن» عن الديمقراطية العفيفة!هذه هي الحرية التي تنشدها واشنطن، الحرية على الطريقة الأمريكية، أما خرافة الرغبة الأمريكية بتطوير الديمقراطية والحريات في عالمنا العربي، فهي أشد أنواع الإفك والكذب والافتراء على شعوب لا تعلم أين تضع أولى خطوات أقدامها على عتبات سلم الحرية والتغيير.كلنا يؤمن بزوال وانتهاء حقبة الإستعمار التي لم تنته أصلاً، ولكن بعد سقوط المارد الأمريكي، لن يكون هنالك من مارد سيأتي بعدها، وستكون الغلبة للشعوب العاشقة للحرية، في حال أخذت تلك الشعوب، بأدوات التحضر والرقي والعلم والقوة وكل أشكال التقدم الإنساني والحضاري، وما سوى ذلك يعد حلُماً عربياً بامتياز، لابد أن نفيق منه، إذا أردنا أن نكون شيئاً مهماً في هذا العالم الشهواني.
Opinion
متى ستستيقظون يا عرب؟
15 يناير 2013