كان مؤلماً، لكنه لم يكن مستغرباً، ذلك الحريق الذي أودى بحياة 13 عاملاً آسيوياً ممن تركوا أوطانهم وأهلهم طلباً للرزق. موضوع سكن العمال أو ما يطلق عليه أحياناً «سكن العزاب» وبعيداً عن المحاولات غير الأخلاقية لاستخدامه لأغراض سياسة، هو موضوع قديم أثيرت حوله الكثير من التساؤلات والمخاوف، فإضافةً إلى الجوانب الأمنية والصحية المتعلقة بالمباني والظروف التي يسكن فيها هؤلاء والتي تفتقد عادة إلى أدنى متطلبات السلامة، فإنه كذلك يحمل بعداً اجتماعياً لا يقل خطورة، نظراً لقرب تجمعات سكن العمال من أماكن سكن العائلات، وما قد يشكله وجود آلاف من العمال العزاب بالقرب من سكن العوائل بل وبينهم أحياناً، من مخاطر اجتماعية عدة.على سبيل المثال، أذكر أنه قبل 3 سنوات تقريباً كان هذا الموضوع ساخناً وبارزاً على الساحة المحلية، وقد دانت فعاليات اجتماعية وسياسية الاعتداء الذي تعرض له طفل بريء من قبل عامل آسيوي، وناشدت جميع الهيئات الحكومية والأهلية أن تتضافر جهودها من أجل نقل سكن العمالة الآسيوية بداخل الأحياء السكنية للمواطنين إلى تجمعات خاصة بهم، لأن وجودهم داخل المناطق السكنية له آثار سلبية خطيرة على الحياة الاجتماعية والسلوكية، وطالبت بتعاون جميع الأجهزة الشعبية والتنفيذية لوضع حد لهذه الظاهرة التي أصبحت تؤرق الأهالي، ودعت إلى دعم مجلسي الشورى والنواب في إصدار قانون ملزم يحد من هذه الظاهرة التي أصبحت تهدد المجتمع البحريني!! فالمحرق والمعامير ومدينة عيسى والرفاع والمنامة والشمالية، كلها مناطق تعاني من تلك المشكلة بتفاوت، وهي آخذة في التوسع والانتشار!!أذكر ذلك جيداً، وأذكر أن وزارة العمل رفعت مرئيات إلى لجنة الخدمات بمجلس النواب، بخصوص الاقتراح بقانون بشأن سكن العمال الأجانب، واعتبرت أن المادة الثانية من الاقتراح تنطوي على شبهة عدم الدستورية، إذ تلزم هذه الفقرة بضرورة أن يسكن العمال في أماكن مخصصة للسكن، وهو ما اعتبرته الوزارة تقييداً لحرية الإقامة وتعارضاً مع المادة «19/ب» من الدستور!! ولقد استغربنا حينها ذلك، لأن مثل هذه التجمعات السكنية للعمال موجودة في دول عدة كأبوظبي التي لديها قوانين رائدة!!بل كان من المفترض أن تحمل المساكن مواصفات دقيقة للسلامة والوقاية الصحية، حيث إن العمال إلى يومنا هذا مازالوا يعيشون في ظروف قاسية جداً، ينحشر أحياناً 25 شخصاً في غرفة، بل ويتناوبون النوم على نفس «المفارش» على الأرض، إذ ينام عليها نهاراً من يعمل ليلاً، وينام عليها ليلاً من يعمل نهاراً، ويطبخون في نفس الغرفة، ما يعرضهم لسهولة انتقال الأمراض المعدية وانتشارها، وقد يكون الموضوع في غاية الخطورة لو انتشر مرض معد كأنفلونزا الخنازير أو الطيور، كما إنهم معرضون لخطر اشتعال حرائق نتيجة وجود أفران تقليدية ومادة الكيروسين، إضافة إلى الضغط العالي على «بلكات» الكهرباء، التي تكون عادة مهترأة نتيجة وجود أسلاك مكشوفة وخطرة، خاصة في المباني القديمة جداً، التي يتواجد فيها العمال وسط ظروف غير إنسانية!!المشكلة تكمن في أنه لا يوجد تشريع ملزم، لا للمؤجر، ولا لأصحاب العمل، وبالتالي لا توجد عملية ضبط، وما هو معمول به حالياً هو قرار وزاري صدر من وزارة الصحة بالتعاون مع وزارة العمل «قرار رقم 8 لسنه1978»، وهو قرار قديم لا ينفع واقع اليوم، فالبحرين قبل 35 سنة تختلف عما هي عليه الآن من حيث عدد العمال والمواطنين وطبيعة توزيع التجمعات السكنية وغيرها.في سنة 2006 صدر القرار رقم 6 بتعديل القرار السابق وينص «على صاحب العمل أو من ينوب عنه إخطار وزارة العمل بالمقر الذي يخصص كسكن للعمال من حيث موقعه ومساحته وعدد العمال خلال مدة لا تتجاوز 15»، لكن المشكلة هي أن القرار غير ملزم، وبالتالي إذا قام صاحب العمل بذلك وأخطر وزارة العمل تم تطبيق الاشتراطات، وإذا لم يقم بإخبار وزارة العمل فهي لا تستطيع فعل أي شيء، فهل تعتقدون أن يقوم أحد بإعلام الوزارة؟!وفي ظل غياب التشريعات المؤطرة لهذه القضية، تم تشكيل لجنة عام 2009 تشمل أكثر من جهة معنية بموضوع سكن العمال من ضمنها وزارات العمل والبلديات والصحة والدفاع المدني، ولكل جهة ودور واختصاص في هذه القضية، والنتيجة كما في قضايا عديدة تتشعب جهات الاختصاص وتضيع القضية!! فمثلاً، حدث أن أحصت بلدية المنامة 900 بيت من مساكن العمال، ووجدوا أن أكثر من 300 منزل يمثلون خطورة على أرواح ساكنيها، ومن هم حولهم، فماذا حدث بعد ذلك، هل أزيلت البيوت أو صححت المخالفات؟! غالباً ستكون الإجابة لا.إن موضوع سكن العمال موضوع مهم، نتمنى فعلاً أن يحل سريعاً حتى لا نصحو ذات يوم على كارثة كتلك التي حدثت في السوق الشعبي، أو جرائم واسعة واعتداءات على الآمنين في أماكن عائلية، نتيجة غياب القوانين أو إهمال تطبيقها، فهذا الموضوع يمتزج فيه نقص التشريعات، بغياب تطبيق القانون، بجشع أصحاب الأعمال والمؤجرين، ببأس العمال وقلة حيلتهم.