تراهن دوائر صنع قرارات السياسة الخارجية الأمريكية على أن سقوط النظام السوري سيساهم في تكوين ضغط دولي على النظام الحاكم في المنامة، لأن نظامنا السياسي سيكون النظام الأوحد في منطقة الشرق الأوسط الذي تحكمه «الأقلية السنية» أمام «الأغلبية الشيعية»، فهل هذا هو الواقع فعلاً؟منذ عدة عقود عوّلت دوائر صنع القرار الأمريكي على تكوين صورة نمطية تجاه البحرين لتكون بلداً يضم الأغلبية الشيعية وتحكمه النخبة السنية الحاكمة، ومازالت هذه الصورة مستمرة بشكل غير موضوعي البتة، ويمكن ملاحظة مظاهرها في الأدبيات الغربية المتعلقة بالبحرين، سواءً كانت في التقارير الإخبارية الصادرة عن وكالات الأنباء الأجنبية، أو في الدراسات والأوراق البحثية الصادرة عن مراكز الأبحاث الأمريكية والغربية. جميع هذه الأدبيات تعتمد على هذه الصورة النمطية ليس بشكل عشوائي، وإنما بشكل مقصود واضح الأهداف. فمدخل التغيير السياسي المطلوب أمريكياً هو التلاعب على مكونات المجتمع البحريني المتعددة والتي وصلت الآن إلى أقصى درجاتها التاريخية. وفي سبيل ذلك سمح الإعلاميون والباحثون لأنفسهم بتجاوز معايير الدقة الإعلامية والموضوعية البحثية ليكون هناك سبب يتمتع بوجاهة ذات مغزى تتيح التدخل في الشأن البحريني. حيث ستكون السياسات الأمريكية والغربية لدعم التغيير في البحرين نابعة من هذه الحقيقة التي يجب على نظام الحكم في المنامة انتهاجها، بمعنى أن الإصلاح السياسي يجب أن يحقق تطلعات الأغلبية الشيعية فقط، في تناسٍ مفضوح لمبادئ الديمقراطية التي تعد آلية لاستيعاب كافة المطالب والمصالح والآراء مهما تعددت أو تنوعت. من هنا يسود دوائر صنع القرار في واشنطن حالة محمومة من الترقب لمعرفة جدوى ونتائج الصورة النمطية التي تم تشكيلها عبر عقود من الزمن مع اقتراب سقوط النظام السوري. حينها ستكون وجهة النظر الأمريكية أنه لا يوجد في المنطقة نظام حاكم تحكمه الأقلية، وبالتالي لابد من تقديم التنازلات في شكل إصلاحات لطرف واحد دون الأطراف الأخرى، وستكون الدعوة للمجتمع الدولي لممارسة الضغوط على نظام الحكم في البحرين من أجل تحقيق هذا الهدف الذي سينتج عنه تغيير سياسي راديكالي يعد بداية نحو هدف أوسع يشمل تغيير الأنظمة الحاكمة في دول مجلس التعاون الخليجي لإعادة رسم خريطة المنطقة من جديد لأول مرة منذ 173 عاماً. إذا كانت هذه هي النظرة الأمريكية خلال الفترة المقبلة فما هي خياراتنا الاستراتيجية؟ ثمة مجموعة من الخيارات الاستراتيجية وأبرزها مشروع الاندماج الخليجي في كيان واحد وفقاً لمشروع الاتحاد المطروح حالياً، ولكن قبل ذلك من المهم الإسراع في تنفيذ خارطة طريق بحرينية على الأقل نحو مزيد من الإصلاحات السياسية والأخرى الشاملة، بحيث يصل نظامنا السياسي إلى درجة مرتفعة من الانخراط السياسي لكافة مكونات المجتمع في العملية السياسية، وهذا الخيار لا مفر منه مادمنا على قناعة وإيمان بضرورة استمرار الإصلاحات التي بدأناها في العام 2001.