صارت حكومات أجنبية ووسائل إعلام دولية تدخل على الخط بين وقت وآخر وتقدم رؤى تشخيصية بشأن الأوضاع في البحرين، وتقيّم الظروف التي مرّت بها الدولة، وتنتهي إلى خلاصة ونتيجة أن المجتمع المحلي مريض جداً.بالطبع المجتمع البحريني مريض جداً عندما ينظر إليه الآخرون بتقييمهم الخاص، ولكنهم يتجاهلون في الوقت أن حقيقة المجتمعات تثبت أن لكل مجتمع أمراضه وعلاته. بالأمس ظهرت علينا الـ «بي بي سي» البريطانية لتنشر تقريراً حول الحياد الطبي، وتخلط فيه بشكل غريب قضية تسييس العمل الطبي حتى لا يكاد يكون هناك فرق بين تسييس العمل الطبي والحياد الطبي، فمن يقرأ التقرير يمكن أن يخرج بخلاصة أنه يجوز إقامة مظاهرات في المستشفيات العامة، والامتناع عن تقديم الخدمات الطبية وفق أسس عنصرية، ولا أعتقد أن المجتمع الطبي البريطاني من الممكن أن تسود فيه مثل هذه الممارسات أبداً. ولنتذكر ماذا فعلت لندن عندما تعرضت للإرهاب، وطلب رئيس الوزراء البريطاني من البرلمان عدم مساءلته عن الإجراءات التي يمكن أن يتخذها وإن تعارضت مع حقوق الإنسان، لأنه لا مساومة على الأمن القومي وإن تعلقت المسألة بحقوق الإنسان. هذا ما شاهدناه في لندن، وشاهدناه لاحقاً مع أحداث وول ستريت بالولايات المتحدة الأمريكية، وآخرها تعامل السلطات الأمريكية مع المتورطين في الأعمال الإرهابية التي شهدها ماراثون بوسطن. أعتقد أن العالم تجاوز مرحلة ازدواجية المعايير، وصارت الحقائق أكثر وضوحاً، فلو جاءت الـ «بي بي سي» خلال تسعينات القرن العشرين وقدمت نفس الطرح بشأن ما حدث في البحرين، فإن الوضع سيكون مختلفاً، بل ستسود القناعة بأن ما تقوله الـ «بي بي سي» صحيح تماماً، وعلينا تصحيح أوضاعنا وفقاً لهذه المؤسسة الإعلامية المرموقة التي أجري تحقيق فيها بعد فضائح تتعلق بطبيعة تغطيتها لأحداث الربيع العربي. من المهم ألا ينفعل المجتمع المحلي، وكذلك وسائل الإعلام المحلي مع كل ما ينشر ضد البحرين، فالحقيقة صارت بيّنة، ومعالجتها لا تتم بالدفاع المباشر، وإنما تتطلب تكوين صور ذهنية على فترات زمنية معينة يمكن أن تحقق نتائج فعالة للغاية كما في كثير من المواقف. حاجتنا اليوم لوضع أجندة جديدة، بعد أن استُهلكت الجهود في الدفاع وتصحيح وجهات النظر خارجياً. ولا يمكن الانتظار أكثر لوضع أجندة، فعدم وضعها يعني الاستمرار في دائرة الدفاع دون نهاية، ومثل هذه الحالة لها نتائجها الوخيمة.