ليلةٌ عظيمة القدر، رفيعة الشأن، من حاز شرفها فاز وغنم، ومن خسرها خاب وحرم، العبادة فيها خيرٌ من عبادة ألف شهر. ليلةٌ مباركة، يكفي بها قدراً أن الله -جل شأنه- أنزل فيها خير كتبه، وأفضل شرائع دينه؛ يقول الله تعالى فيها: ?إنا أنزلناه في ليلة القدر* وما أدراك ما ليلة القدر* ليلة القدر خير من ألف شهرٍ* تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمرٍ* سلامٌ هي حتى مطلع الفجر?. ليلة القدر ليلة ليست كبقية الليالي، أجرها عظيم، وفضلها جليل، المحروم من حرم أجرها ولم ينل من خيرها؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)). وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- زمانها فقال عليه الصلاة والسلام: ((التمسوها في العشر الأواخر من رمضان))، وقرب للناس وقتها، فقال صلى الله عليه وسلم: ((تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان))، فهي في الأوتار منها بالذات؛ أي ليالي: إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وخمس وعشرين، وسبع وعشرين، وتسع وعشرين. ورجح بعض العلماء أنها تتنقل في هذه الليالي الوتر، وليست في ليلةٍ معينة كل عام، قال النووي رحمه الله تعالى: «وهذا هو الظاهر المختار لتعارض الأحاديث الصحيحة في ذلك، ولا طريق إلى الجمع بين الأحاديث إلا بانتقالها». وقد أرشدنا النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أفضل ما نقول إذا وافقنا هذه الليلة؛ فعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: يا رسول الله، أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول؟ قال: قولي: ((اللهم إنك عفو كريمٌ تحب العفو فاعف عني)). ولليلة القدر علامات تعرف بها، ثبتت بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن هذه العلامات: العلامة الأولى: أنها ليلة مضيئة؛ فعن واثلة بن الأسقع -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليلة القدر ليلةٌ بلجة، لا حارة ولا باردة، ولا يرمى فيها بنجم)). العلامة الثانية: أن ليلتها معتدلة، لا حارة ولا باردة؛ فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليلة طلقة، لا حارة ولا باردة، تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة)). العلامة الثالثة: أن الشمس تطلع في صبيحتها لا شعاع لها؛ فعن أبي بن كعب -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر أن من علاماتها أن الشمس تطلع صبيحتها لا شعاع لها. فالاجتهاد الاجتهاد فيما بقي من أيام وليالي هذه العشر، علنا نوافق ليلة القدر، وننال ما فيها من عظيم الثواب والأجر؛ اقتداءً بالحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وأن نكثر فيها من الدعاء والتضرع إلى المولى -عز وجل- لنا ولإخواننا المسلمين. لا حرمنا الله من خيرها، وجعلنا الله ممن يوافقونها، وينالون أجرها.