من المفترض أن الناس عندنا وصلوا إلى مرحلة النضج الكامل فيما يتعلق بالحفاظ على ممتلكات الدولة، والتي هي في الحقيقة ممتلكاتهم قبل أن تكون ملكاً للدولة، والتي يجب أن يحافظوا عليها بطريقة تلقائية، دون توجيه من أحد، أو حتى وضع لوحات إرشادية تبين أهمية هذا الأمر، كما يجب علينا أن نستغني عن وضع «سكيورتيه» على كل شبر من هذا الوطن، فالبحرينيون اليوم وصلوا لمرحلة متقدمة من الوعي، ومن مستوى تعليمي متطور، فيكون من المعيب حينها، أن ترى بعضهم يقوم بتخريب الممتلكات العامة.حين ندخل لأية حديقة عامة في البحرين «على سبيل المثال»، سنجد كل ألعابها مقطعة الأوصال، والبقية منها تحوَّلت إلى أكوام حديدية قبيحة مهملة في زاوية من الحديقة، وهناك بعض الكتابات على جدران الحديقة من الداخل، هذا ناهيك عن العبث بكل محتوياتها وبأزهارها الجميلة.مدارس أعدت للعلم والمعرفة وتهذيب الأخلاق، نجد أن طاولاتها وكراسيها وملاعبها وصالاتها وحتى دورات المياه فيها مهشمة ومحطمة شر تحطيم، والسؤال المطروح هنا، لماذا كل هذا؟مازال رب الأسرة ومعه أطفاله يرمون الأوساخ من نافذة السيارة، ومازال العامل ينحني ليل نهار لأجل التقاط أوساخنا وثقافاتنا من فوق الأرض، ليضعها في مكانها المناسب. هواتف عمومية، لا يعمل منها سوى القليل، لأن غالبيتها تعرضت للتخريب. ملاعب وصالات رياضية لم تسلم من العبث بها وبمحتوياتها، والقائمة تطول!!من المفترض اليوم، أن كل هذه السلوكيات تلاشت من مجتمعنا المتعلم، ومن المفترض أن تستغني كل هذه الأماكن العامة في البحرين، عن وجود حراس أمن يحمون تلك الممتلكات، لأنه من المفترض كذلك أننا تجاوزنا مرحلة اللاوعي والأمية والجهل، ودخلنا مرحلة أكبر وأكثر نضجاً فيما يخص الحفاظ على الممتلكات العامة.إذا لم يفلح نصح الأسرة للفرد العابث بأن يكفّ عن عبثه، وإذا لم تجدِ معه كل الإرشادات والملصقات والمنشورات التي تطالبه بالحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة، وإذا لم تحركه الحمية الوطنية بالحفاظ على تلكم الممتلكات، وإذا لم تغيره ولم تحي ضميره فتاوى الدين التي حرمت كلها وصرحت بعدم جواز تخريب وتكسير وإتلاف الممتلكات العامة والخاصة، فما عسى أن يفيد معه؟إذا اختفى الوازع الذاتي «الضمير»، وإذا لم تنفع كل المواعظ والفتاوى والنصائح مع هؤلاء، فهل سيكون الحل هو العقاب؟ ربما، لكن لا نتمنى ذلك، لأن هذه الوسيلة لا تصنع رجلاً صالحاً، فالصلاح يبدأ من الفرد وينتهي إليه.حتى عبثية الاحتجاجات السياسية في البحرين أو في نيروبي، لا يمكن قبول أن يقوم أي فرد، كائن من كان، بتخريب وإتلاف الممتلكات العامة والخاصة، فهذه أمور لم يجز الدين ولا القانون ولا الأخلاق بأن تمسّ بأي شكل من الأشكال، وتحت أي مبرر من المبررات، لأن الممتلكات العامة تعني، هو أننا كلنا نملك حقاً شرعياً ووطنياً في امتلاكها، بل والحفاظ عليها، ومن يقوم بتخريبها، فإنه يخالف أبسط قواعد الأدب، وستظل الحديقة والمدرسة والصالة الرياضية والشارع والحائط وكل ذلك ملكاً عاماً، لا علاقة لهم جميعهم بمشاكلنا السياسية أو الأسرية، ولا حتى لهم أدنى علاقة بأمراضنا وعقدنا النفسية كذلك، لكنه الذوق العام، إن فسد، فإن كل شيء يفسد معه والختام.