أوروبا كلها ومعها أمريكا، لم تستقر ولم تنجُ من الفتن والحروب الأهلية إلا بعد أن حصرت دور العبادة بالعبادة، وأجبرت رجال الدين الذين يودون أن ينشغلوا أو يشتغلوا بالسياسة أن يتركوا المنبر الديني ويؤسسوا لهم أحزاباً سياسية، بعد أن تسببوا بفتاواهم الدينية وبإقحام أنفسهم في الشؤون السياسية بحروب لم تبقِ ولم تذر.حافظوا على حق رجل الدين كمواطن له الحق في التعبير والعمل السياسي، وحفظوا أمن دولهم وانتشلوا أنفسهم من الحروب والفتن الطائفية التي تسببت بالدمار للمجتمعات الأوروبية، صحيح أنه تأسست في أوروبا العديد من الأحزاب السياسية ذات التوجه الديني إلا أنها اضمحلت مع الوقت وحلت محلها أحزاب مدنية، إنما خضعت لأطر العمل السياسي الدنيوي بكل تلاوينه وحدوده التي تحتمل الصواب والخطأ والتحالف وفك الارتباط وغيره من أدوات العمل السياسي والتزمت بضوابط التشريعات والقوانين التي تنظم العمل السياسي شأنهم شأن بقية الأحزاب، وليس بقوانين الجنة والنار.فإن كنا نريد للبحرين أن تستقر وتنتهي أزماتنا المتكررة، وفتننا الطائفية، فنحن لسنا بحاجة لمواثيق يكتبها رجال الدين في الليل وتمحوها خطبة في نهار الجمعة «تسحق» «أم الوحدة الوطنية».ومثلما كان التحدي في أوروبا في كيفية التخلص من «جنرالات الله» وهم كل رجل دين يدعي أنه قائد لحزب الله أو لجيش الله أو لكتيبة الله، يشحن النفوس ويعمق الخلاف ويزيد الجرح غرساً باسم الدين وباسم القديسين وباسم الأولياء، نحن أيضاً في البحرين نمر بذات التحدي.ومثلما نجحت أوروبا بعزل المنبر الديني عن المنبر السياسي نحتاج مساعدتها لاتخاذ ذات الخطوة ونبدؤها في التشريع الذي يجب أن يخضع له الجميع دون استثناء ولا خصوصيات.الدول الحليفة والصديقة عليها أن تساعدنا كمجتمع مدني لبناء قواعد الدولة المدنية الحديثة لنحفظ بها هويتها الإسلامية والعربية ونحفظ بها وحدتها الوطنية، بأن تفرض قانوناً يجرم ويضع عقوبة مشددة لأي رجل دين يستغل المنابر الدينية للحديث السياسي.فلتعمر الدولة المساجد والمآتم وأي دور عبادة، ولتزد عددها، ولتكرِّم رجال الدين وتحيي المناسبات الدينية وتوقر كل ما له علاقة بديننا الحنيف والأديان الأخرى، إنما تمنع أي حديث سياسي على هذا المنبر تحديداً، فلا خصومة لنا مع المنابر الدينية إنما أزمتنا ومشكلتنا حين يتصدى رجال الدين للمسائل الخلافية السياسية من على هذه المنابر فقط لا غير.أزمتنا مع عدم اعتراف بعض رجال الدين بالدولة وحدود سيادتها والتعاطي مع الشأن السياسي تحديداً تعاطياً عابراً للحدود السيادية وإعطاء أنفسهم رخصة التحرك خارج نطاق التغطية السيادية، فيعطي مواطن يحمل الجنسية البحرينية الحق لنفسه أن يكون نائباً وممثلاً لرئيس دولة أجنبية دون الخضوع لقواعد وبروتوكولات الدبلوماسية الخاصة بهذه المواقع، فقط لأنه متحصن بالمنبر الديني، مدعياً أنه يتحدث باسم الله وله خصوصية، في حين أن ذلك التعاطي يعد جريمة يعاقب عليها القانون في أي دولة تحترم نفسها.أزمتنا مع رجال دين لا يعترفون بقانون ولا بدستور الدولة ويمنحون أنفسهم حصانة ربانية تضعهم فوق القانون حين يتناولون الشأن السياسي، في حين أن الدولة تلزمنا نحن المواطنين بقانونها وبتشريعاتها فنلتزم بها، هذه التفرقة لا يستقيم معها الوئام والسلام والوحدة الوطنية.لتتجاوز البحرين هذه الأزمة وتمنع تكرارها تحتاج أن تتخذ الموقف الأكثر جرأة من خلال دفع شعبي مكثف وحملة إعلامية تشارك بها مؤسسات المجتمع المدني وأفراده.وبما أن معظم جمعياتنا السياسية ذات الكثافة العددية يرأسها رجال دين وهؤلاء يمتحنون في وطنيتهم وإيثارهم في هذا التوجه، لهذا -مع الأسف- لا أظن أن أحداً منهم سيتشجع ويدفع باتجاه هذا القانون، وبما أن جمعيتنا التقدمية أصبحت ذيلاً وتابعاً للجمعيات السياسية الدنية فلا أمل مرجواً منهم، فالحمل والثقل سيكون على مؤسساتنا المدنية الأخرى، فماذا عن النقابات المهنية؟ ماذا عن الاتحادات النوعية؟ ماذا عن المرأة؟ ماذا عن الصحف؟ ماذا عن وسائل التواصل الاجتماعي؟لقد علقنا الجرس ونحتاج رجال دولة يأخذون زمام المبادرة وينهون هذه الأزمة ويجففون منابع أزماتها. لذلك نحن لسنا بحاجة لمواثيق وحدة وطنية أو إسلامية، نحتاج فقط أن تبتعدوا أنتم بالذات عن الشأن السياسي بكل مذاهبكم مع كامل تقديرنا واحترامنا لكم... باختصار نحن لا نريد خيركم .. فقط كفوا عنا شرّكم!
Opinion
لا نريد خيركم إنما كفّوا عنا شرّكم
20 يونيو 2013