الحب الحقيقي لا يعرف شيئاً غير العطاء؛ غير التفاني في حب المحبوب وإتاحة كل الفرص ليكون الآخر سعيداً، فرحاً، مستبشراً بصباح كل يوم من أيام حياة من يحبه ويحيا معه.ونحن نعرف من خلال قراءتنا لقصص المحبين في التاريخ العربي والأجنبي، مجموعة من القصص التي تعرفنا إلى طبيعة هذا الحب وقوته وتفاني المحبين ليسعد كل منهما الآخر دون الاهتمام للأخطار التي من الممكن أن يقع فيها، ولو كانت على حساب حياته، وهذا رأيناه واضحاً في قصة قيس وليلى وقصة روميو جوليت وقصة تاج محل وقصة خسرو وشيرين، وقصص أخرى قريبة منها منثورة في تاريخ العالم.لكن هناك قصصاً أخرى، ربما تكون أقوى منها وأكثر إيثاراً لم تدخل خانة الرواية العربية والعالمية، ومن هذه الحكايات أو القصص حكاية أوقفتني أمامها طويلاً، تقول القصة..تزوج رجل من امرأة جميلة جداً جداً وأحبها جداً، وجاء وقت انتشر فيه مرض يصاب به الإنسان ويشوه البشرة تماماً ويجعلها قبيحة، ويشوه المريض تشويهاً كبيراً جداً.وفي يوم شعرت الزوجة الجميلة بأعراض المرض، وعلمت أنها مصابة به وستفقد جمالها، لكن زوجها كان خارج البيت لم يعلم بعد بمرضها، وفي طريقه للعودة أصيب بحادث أدى لفقد بصره وأصبح أعمى.أكمل الزوجان حياتهما الزوجية يوماً وراء يوم، الزوجة تفقد جمالها وتتشوه أكثر وأكثر، والزوج أعمى لا يعلم بالتشوه الذي أفقدها جمالها، بل تحول من الجمال إلى قبح.أكملوا حياتهم 40 سنة بنفس درجة الحب والوئام لهما في أول الزواج، الرجل يحبها بجنون ويعاملها بالاحترام السابق، وزوجته تبادله نفس المحبة، وترعاه بكل طاقتها ولم تشعره لحظة بأنه أعمى، إلى أن جاء يوم توفيت فيه الزوجة، وحزن الزوج حزناً شديداً لفراق حبيبته، وحينما انتهى الدفن جاء الوقت ليذهب جميع الرجال إلى منازلهم، فقام الزوج وخرج من المكان وحده، فناداه رجل من جيرانه «يا فلان إلى أين أنت ذاهب؟».فقال الزوج: إلى بيتي!!فرد الجار بحزن على حاله: وكيف ستذهب وحدك وأنت أعمى؟ (كان الزوج يقوده أحد جيرانه في العادة لأنه أعمى).فقال الزوج: أنا لست أعمى، إنما تظاهرت بالعمى حتى لا أجرح زوجتي عندما علمت بإصابتها بالمرض، فقد كانت نعم الزوجة وخشيت أن تحرج من مرضها، فتظاهرت بالعمى طوال الأربعين سنة وتعاملت معها بنفس حبي لها قبل مرضها.إن هذا النوع من القصص الغاية في الإنسانية والغاية في المحبة توضح لنا أن الخير في الإنسان، أي إنسان، هو في الكثير من الأحيان خير كامن، أو هاجع يحتاج إلى من يوقظه، هذا الإيقاظ هو المحبة دون شروط، المحبة دون مصلحة، المحبة الخالصة لوجه الله ولوجه المحبوب.المحبة الخالصة لا تحتاج إلى أبطال أو إلى شخصيات خارقة، سوبرمانية، إنما إلى أشخاص عاديين من الممكن أن يكونوا هم الأبطال في تاريخ الناس الحقيقيين، العاديين، العفويين، التلقائيين، عن القيام بدورهم الذي خلقوا من أجل القيام به وتحقيق المهمة التي خلقوا لتنفيذها على هذه الأرض.إذا ساءت الظروف بينك وبين من تحب، قبل أن تتخذ أي قرار أو تتسرع بالحكم، عليك أن تتذكر هذه القصة، وحدها القصة قادرة على إعادتك إلى طبيعتك المحبة، وحدها ستعيد التوازن إلى ذاتك التي قد تهتز برياح الضغوطات الحياتية.
Opinion
نموذج الحب الخالص
08 يونيو 2013